الفصل الرابع
الخروج
***
الخروج من مصر العبودية:-
عندماماتأبكارالمصريينأمرفرعونبنيإسرائيلأنيخرجوامنمصرفوراً،فخرجوابسرعة, وماإنأشرقتشمسالصباححتىكانالرجاليسيرونفيخمسةصفوف، تتبعهمزوجاتهموأولادهمومتاعهمومواشيهم. وكانعددبنى إسرائيل عند الخروج بإستنتاج تقريبى[1]حوالىمليونين ونصف.
ولاشكأنموسىوهويقودكل هذا الشعب، كانيفتخرفخراًمقدساً، يمتزجبتواضععميق، بأناللهشرَّفهأنيستخدمهكآلةبيدهليتممخلاصاًعظيماًلشعبه.
بدأبنوإسرائيلرحلتهممن(سكوت)،وهيتبعدنحوعشرينكيلومتراًعن جاسان،وهناكاستراحوا.ثمابتدأوامنالمحطةالتاليةوهي(إيثام)،علىأطرافالصحراء،وليسبهاأثرلزرع,مجردرمال. "وَكَانَالرَّبُّيَسِيرُأَمَامَهُمْنَهَاراًفِيعَمُودِسَحَابٍلِيَهْدِيَهُمْفِيالطَّرِيقِ،وَلَيْلاًفِيعَمُودِنَارٍلِيُضِيءَلَهُم,لِكَيْيَمْشُوانَهَاراًوَلَيْلاً. لَمْيَبْرَحْعَمُودُالسَّحَابِنَهَاراًوَعَمُودُالنَّارِلَيْلاًمِنْأَمَامِالشَّعْبِ"(خر 13: 21-22). كانهناكعموديرشدهم،يظللهمفيالنهار، ويحميهمويبعدعنهمالحيواناتالمتوحشةفيالليل،ويقودهمبالليلوالنهارإلىالطريقالذى كان الله يسير بهم فيه.
"الَّذِينَيَنْقَادُونَبِرُوحِاللّهِفَأُولئِكَهُمْأَبْنَاءُاللّهِ" (رو8: 14).
قرر فرعون طرد بنى إسرائيل من البلاد بعد كل ما أصاب المصريين من جَرَّائِهِم, عاد فشعر بالندم فأخذستمائةمركبةمنتخبة،وسائرمركباتمصروجنوداًمركبية. فسعى المصريون وراء بني إسرائيل وأدركوهم. ولعله كان اليوم الخامس للخروج عندما رأى بنو إسرائيل الجيش المصري القوي قادماً من وراء الجبال نحوهم، منتظراً نور الصباح ليهجم عليهم. فصرخ بنو إسرائيل يقولون لموسى في يأس: "هَلْ لأَنَّهُ لَيْسَتْ قُبُورٌ فِي مِصْرَ أَخَذْتَنَا لِنَمُوتَ فِي الْبَرِّيَّةِ؟ مَاذَا صَنَعْتَ بِنَا حَتَّى أَخْرَجْتَنَا مِنْ مِصْرَ؟" (خر 14: 11)كان خيراً أن نموت هناك من أن نموت هنا. لماذا لم تتركنا وشأننا؟ أين هو إلهك؟ وهنا وقف موسى يخاطب الله، وفي ثقة كاملة يدعوه لينقذ شعبه وليخلصهم. واستجاب الله له، ومنحه الإرشاد فيما يجب أن يفعله, وطاعة لهذا الإرشاد قال موسى للشعب:
لاتَخَافُوا.قِفُواوَانْظُرُواخَلاصَالرَّبِّالَّذِييَصْنَعُهُلَكُمُالْيَوْمَ. فَإِنَّهُكَمَارَأَيْتُمُالْمِصْرِيِّينَالْيَوْم َلا تَعُودُونَتَرُونَهُمْأَيْضاًإِلَىالأَبَدِ. الرَّبُّيُقَاتِلُعَنْكُمْوَأَنْتُمْتَصْمُتُون.(خر 14: 13 ,14).
فقالالربلموسى: مَالَكَتَصْرُخُإِلَيَّ؟قُلْلِبَنِيإِسْرَائِيلَأَنْيَرْحَلُوا.وَارْفَعْأَنْتَعَصَاكَوَمُدَّيَدَكَعَلَىالْبَحْرِوَشُقَّهُ، فَيَدْخُلَبَنُوإِسْرَائِيلَفِيوَسَطِالْبَحْرِعَلَىالْيَابِسَةِ.وَهَاأَنَاأُشَدِّدُقُلُوبَالْمِصْرِيِّينَحَتَّىيَدْخُلُواوَرَاءَهُمْ,فَأَتَمَجَّدُبِفِرْعَوْنَوَكُلِّجَيْشِهِ، بِمَرْكَبَاتِهِوَفُرْسَانِهِ. فَيَعْرِفُالْمِصْرِيُّونَأَنِّيأَنَاالرَّبُّحِينَأَتَمَجَّدُبِفِرْعَوْنَوَمَرْكَبَاتِهِ وفرسانه.(خر14: 15-17).
عصا مُتَمَيِّزة :-
زرع أحد الأشخاص يوماً ما شجرة بين أشجار عديدة فى سيناء فى منطقة كَثُرَ فيها العشب الصالح للرعى, وفى يوم جاء إلى المنطقة أحد الرعاة الذين كانوا يعملون فى رعاية أغنام رئيس كهنة مديان فى ذلك الوقت "رعوئيل المدعو يثرون". قام الراعى بقطع أحد فروع الشجرة, واستصلح منه عصاً لإستخدامها فى رعاية الأغنام, كان هذا الراعى هو "موسى" وكان وقتها فى الثمانين من عمره, وكان لِحَظِّ هذه العصا أن شَهِدَتْ بصحبة موسى الأحداث المجيدة التى أجراها الله لإنقاذ شعبه من العبودية.
لعبتعصاموسىأدواراًعظيمةفيمناسباتكثيرة.وكانتالعصافييدموسىعندماالتقىاللهبهوأمرهأنيطرحهاعلىالأرضلتتحولإلىحية. واستخدماللهعصاموسىفيكثيرمنالضرباتالتيحلتبأرضمصر،فهيالتيضربتالنهر،فتحوَّلالماءدماً. وهيالتيارتفعتإلىالسماءلتدعوالعاصفة،وضربموسىبهاترابالأرضفصاربعوضاًيلدغالمصريين،وهيالتياستخدمهافيمابعدلكَسْبِالحربضدعماليق،وهيالتياِسْتُخدِمَتلتفجّرينابيعمنالصخر. ولذلككانوايُسَمّونها "عَصَااللّهِ".
علىأنأعظمالمعجزاتالتيقامتبهاتلكالعصاكانتشقالبحرالأحمرعند عبور بنى اسرائيل البحر بينما يطاردهم جيش فرعون.
معجزة شق مياه البحر الأحمر[2]:-
تُعتَبَر معجزة عبور البحر الأحمر من أمجد الأعمال التى أجراها الله مع بنى اسرائيل, وليس من اليسير تصَوُّر كيف تمت وكيف بَدَت, أو كيف رآها الشعب المُطارَد والجيش المُطارِد له. كيف كانت الريح التى سرعان ما شقت المياه وجعلت منها أسواراً تحيط بممر على قاع البحر الذى لم يعُد طينياً ليناً بل أرضاً صلبة تتحمل مرور العدد الكبير من الشعب مع جميع ما يحمل من أغراض.
نقرأ فى النصوص المقدسة أن موسى صرخإلىاللهِلينقذبنيإسرائيلمنفرعونالقادموراءهمليعيدهمإلىعبوديته، عندما صارالبحرأمامهم والعدو خلفهم. (خر 19: 14-20 ), واستجابالله، فانتقل ملاك الربالذيكانيسيرأمامبنيإسرائيلليسيروراءهم،وانتقلعمودالسحابمنأمامبنيإسرائيلووقف،وراءهم. وهكذا دخل عمودالسحاببينجنودفرعونوبينبنيإسرائيل،وصارالسحابوالظلامفيالجانبالذييقففيهالمصريون،بينماأضاءالليلفيالجانبالذيكانفيهبنوإسرائيل،فلميقتربجنودفرعونمنبنيإسرائيلالليلكله. كان عمود السحاب لجيشالمصريينقاتماًيعوقهمعنالتقدم،ويحجبتحركاتالجماعةالهاربة،ولكنهكانلبنيإسرائيلمنيراًيعكسلمعاناًعلىالرمال،وعلىمياهالبحر،ليبيّنلهمبوضوحالطريقالذييجبأنيسلكوافيه.
ومدَّموسىيدهعلىالبحركماأمرهالله،فأجرىالربالبحربريحشرقيةشديدةكلالليل،فجعلالبحريابسة،وانشقالماء. فدخلبنوإسرائيلفيوسطالبحرعلىاليابسة،والماءسورلهمعنيمينهموعنيسارهم.وحالماأدركالمصريونأنبنيإسرائيلهربواتبعوهموسطالبحر.
وكانفيهذاالتصرف - من جانب قادة عسكر المصريين -كثيرمنالكبرياءوالعناد بل والغباء, ولقد استدرجهم الكبرياء والعناد ولم يتنبهوا إلى الأمر الغريب الذى حدث أمامهم بإنشقاق البحر بواسطة الريح العنيفة والغير مألوفة, كان الأحرى بهم التروى والتأمل لفهم ماهى القوة التى تدعم هؤلاء القوم؟ من الذى يساعدهم هكذا؟ من الذى يستطيع أن يُجرى مثل هذه المعجزات, وكم تبلغ قوته؟ هل يمكن للجيش المصرى الوقوف أمام هذه القوة ويكون كُفُؤاً لها؟. لم ينتظر قادة المصريين حتى يفهموا, بل سبقهم قرارهم بالتقدم داخل البحر, فقد شدد الرب قلوبهم ليتمجد فيهم.
وفى نهاية الليل عندما قارب النهار, أشرف الرب على عسكر المصريين وأزعجهم فجعلهم فى حالة هلع شديد, ولم يعد الجيش العاتى المُدَرَّب قادر على أن يتصرف فى هذا الإضطراب, وقد ذكر أحد خدام الرب فى إحدى عظاته أن الرب قد جعل خوفاً عظيماً فى قلوب الجنود وقادتهم, حتى أنهم كانوا يتوهمون أعداءً مجهولين يلتحمون بهم فى قتال عنيف, وينقضُّون عليهم من الخلف ومن الجوانب, بل ويتخَفُّون فى ملابس الجنود المصريين, فكانوا يوجهون ضرباتهم إلى الهواء وإلى الوهم الذى توهموه, وتملكهم الذعر حتى طاش صوابهم.
ثم خلع الرب بَكَرَ أو عجلات مركبات القوات المصرية, فأصبحت لا تصلح للحركة ولحمل الجنود بل اِضْطُرُّوا لجرِّ المركبات بدلاً من أن تحملهم. وهنا فقط أدرك المصريون - بعد فوات الأوان - أن الرب يحارب عن الشعب الذى يطاردونه (خر14: 25), فأرادوا الهروب ولم يتمكنوا.
وأمر الرب موسى أن يمدَّ يده على البحر ليرجع الماء على المصريين، فرجعالبحروأغرقمركباتهموفرسانهم.نعم،مدَّموسىيدهعلىالبحرفرجعالبحرعندإقبالالصبحإلىحالهالدائمة،وغرقالمصريونوسطالبحر. أمابنوإسرائيلفمشواعلىاليابسةفيوسطالبحر،والماءسورلهمعنيمينهموعنيسارهم،فخلَّصالربفيذلكاليومبنيإسرائيلمنيدالمصريين. ونظربنوإسرائيلالمصريينأمواتاًعلىشاطئالبحر. ثم رنَّمموسىترنيمةالنجاة: أُرَنِّمُلِلرَّبِّفَإِنَّهُقَدْتَعَظَّمَ.الْفَرَسَوَرَاكِبَهُطَرَحَهُمَافِيالْبَحْرِ.الرَّبُّقُوَّتِيوَنَشِيدِي،وَقَدْصَارَخَلاصِي. هذَاإِلهِيفَأُمَجِّدُهُ،إِلهُأَبِيفَأُرَفِّعُهُ... تُرْشِدُبِرَأْفَتِكَالشَّعْبَالَّذِيفَدَيْتَهُ.تَهْدِيهِبِقُوَّتِكَإِلَىمَسْكَنِقُدْسِكَ... الرَّبُّيَمْلِكُإِلَىالدَّهْرِوَالأبَد ...ِ(خر15: 1-19).
[1] - متى بهنام, مفاتيح كنوز الأسفار الإلهية. المجلد الأول. ص 44.
و متى المسكين, تاريخ اسرائيل من واقع نصوص التوراة و الأسفار وكتب ما بين العهدين . الجزء الأول. ص 23.
[2]- لقد إحتاج مجرد تَخَيُّل هذه المعجزة فى أحد أفلام هوليوود ( فيلم Moses ) قدراً ضخماً من إمكانيات السينما وتقنيات الخِدَع السينمائية المتقدمة, لتصوير حركة المياه فى البحر ثم ظهور شق فى المياه بتأثير رياح عنيفة تركزت عليها لإزاحتها على الجانبين لتكشف ممراً على قاع البحر, بدأ يجف بسرعة فائقة بفعل الرياح حتى أصبح يابساً صالحاً للمرور عليه بأحمال وأوزان, بينما كونت المياه سوراً عالياً على جانبى الممر, مما أثار إعجاب المتخصصين فى أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية بالولايات المتحدة, ومنحت هذا العمل جائزتها المعروفة بالأوسكار.
|