مُوسَى
ولم يَقُمْ بَعْدُ نَبِىٌّ في ِإسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى الَّذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وجْهاً لِوَجْهٍ
(تث34: 10)
___________________________________
بحث دراسى تم تقديمه إلى
كلية اللاهوت الإنجيلية للشرق الأوسط للكنائس الرسولية
فرع المنيا
مايو 2006
مقدمة
لو تخيلناأحد شباب الجامعة يقوم بقيادة رحلة علمية فى الصحراء لمدة شهر فقط لفريق من زملائه مكون من مائة فرد, وكان عليه طوال مدة الرحلة أن يتكفَّل بتسهيل مهمة وعمل كل واحد منهم, وأن يقوم بحمايتهم من أية أخطار ممكنة, وأن يوفر لهم الطعام والشراب, وأن يضع جميع الترتييبات التى تنظم الحركة والعمل فى مجموعات بنظام دقيق. لو استطاع هذا القائد أن يتحمل هموم ومشاكل الجميع وعمل على حلها دون الإساءة إلى أحد, ولم يستأثر لنفسه بأية أفضلية عن الباقين بل ظل يخدم الجميع ويتحمل أعباء الرحلة الى نهايتها, وظل أميناً وحريصاً على كل من معه. ماذا سيكون رأى الآخرين فيه؟ بالطبع إنَّ مُجَرَّد أن نختبر فى شخصٍ ما هذا القدر من العطاء وهذا الكرم نحو الآخرين فإنَّ أحداً من أقرانه والمحيطين به لن يَنْسَىَ كمَّ التضحيات التى يُقَدِّمها وما يَبْذُلُه لأجل الآخرين, قائداً محباً بارعاً ومثالياً, وسينال كل التبجيل والإحترام.
ما صنعه موسى فى تاريخ الشعب العبرى كان أكبر وأعظم من ذلك بكثير جداً.
موسى هو أقوى محرر شعب عرفه التاريخ؛ استطاع بعصاه أن يُرْعِب فِرْعَون الجبار وكهنته وسحرته, حتى أخرج الشعب المُسْتَعْبَد إتِّقَاءً لويل الضربات التى تتابعت عليهم عندما رفض إطلاق الشعب, فكلما راوغ فى تلبية الطلب ارتفعت العصا عليهم وانهالت ضربات العقاب, حتى استسلم فرعون للطلب. و وقت أن كان الجيش المصرى أقوى الجيوش وأفضلها نظاماً وأرقاها كفاءةً وتدريباً عسكرياً, أُبيدت غَرَقاً جميع القوة التى طاردته لم يَنْجُ منها أحد, بينما لم يهلك فرد واحد من الشعب الذى عبر به البحر.
أعظم مُشَرِّع عرفه التاريخ, وقد فاق "حمورابى" عندما شرَّعَ شريعة وناموس الكمال, القانون الإلهى الذى لا يحيد عن الحق روحياً وأخلاقياً, ووضع مع الشريعة قوانين ونُظُم المعاملات التجارية والحقوقية, لتنظيم المجتمع بالعدل فى مخافة الله. وبينما نادت فلسفات مثل "التاوية" فى شرق آسيا بتحقير الفرد لإقرار سلطة الحاكم, وعلَّمَت بمبدأ "أفرغ عقول الناس واملأ بطونهم, أضعف إرادتهم وقوِّ عظامهم", جاء موسى ليُعَلِّم ما شرَّعَه الله فيقول "لا تكمّ ثوراً دارساً والفاعل مستحق الأجر"(1كو9:9), (1تى5: 18).
أعظم نبى فى تاريخ علاقة الله بالإنسان, وفى تاريخ بنى اسرائيل شعب الأنبياء, حيث لم يقم فى إسرائيل نبىٌّ مثله عرفه الرب وجهاً لوجهٍ (تث34: 10).
أعظم قائد استطاع أن يقود أمة مكونة من حوالى مليونين ونصف تضم تشكيلة كاملة من مختلف الأعمار ومختلف الطباع البشرية, تَحْمِل أمتعتها وتجُرُّ دوابَّها ومواشيها؛ عبر بها البحر فى عمل إلهى معجزى فائق الإبهار, وسار بها فى البرية الجرداء أربعين سنة, واستطاع تدبير جميع إحتياجاتها, وأرسى لها قواعد ونُظم تكفى لإستمرار كيانها وإستقرار حياتها.
أعظم رجل دولة وأب للشعب حتى منذ قبل تكوين أية دولة لبنى اسرائيل, فلن يرى اليهود أباً لهم كما كان موسى الذى آثر أن يرعى شئونهم بكل إخلاص وأن يتشفع عنهم أمام الله, فوقف يطلب لشعبه الخاطئ صفح الله وقد ربطه بوجوده قائلا "وإلاَّ فامحنى من كتابِك الذى كتبت" (خر32:32), عندما أخبره الرب أنه سيُفنى هذا الشعب المتمرد وأنه سيقيم منه هو شعباً بديلاً, لم يهدأ له بال حتى صَفَحَ الرَّبُّ وتَأنَّى. ثم عاد يتشفع أيضاً فيهم عندما أغضبوا الرب مرة أخرى ورفضوا مواجهة العمالقة والكنعانيين, فقال الرب "إني أضربهم بالوبا وأبيدهم وأصيرك شعباً أكبر وأعظم منهم ... فقال موسى للرب ... إصفح عن ذنب هذا الشعب كعظمة نعمتك و كما غفرت لهذا الشعب من مصر الى ههنا" (عد14: 11-19).
أوَّل من كتب إعلان إلهى عن بدء الخليقة وكيف وُجِدَ الإنسان وكيف بدأ الكون وكيف دخلت الخطية إلى العالم. وهو الذى سَجَّل أول وعد بالخلاص بأنَّ نسل المرأة يسحق رأس الحية, وسَجَّلَ أول ذبيحة فى تاريخ الوجود وقد كانت بواسطة الله نفسه عندما صنع أقمصة الجلد لآدم وحواء لستر عورة خطيتهما, فى سفر التكوين, ثم إعلانات الحق الإلهى فى باقى الأسفار الخمسة.
الرجل الذى صار حدّاً بين عصر ما قبل الناموس- إذ كان الإنسان ناموساً لنفسه - وعصر الناموس الذى وضع الضوابط لكل معاملات الله مع الإنسان, واقترن الناموس باسمه فيقال "ناموس موسى". وهوالرجل الذى إنتقلت به تعاملات الله مع البشر أفراداً معدودين إلى شعب كبير أراده الله أن يكون خاصته.
وكُلَّمَا تَأَمَّلْنَا شخصية موسى؛ نجد العديد من الميزات التى فاق غيره فيها, حتى أنه قد تشابَه معَ رب المجد يسوع المسيح.
ورغم كل هذا ومانعرفه عن مَلَكَات موسى الشخصية, وإمكانياته القيادية, وكل ما اكتسبه من المهارات والعلوم الفرعونية لمدة أربعين سنة, مع ما اكتسبه من حياة البرية لمدة أربعين سنة أخرى, لم يكن موسى فى حقيقة الأمر هو الفاعل الحقيقى فى جميع هذه العظائم, بل كان مُنَفِّذاً لما يراه ويصنعه الله, وكان أداةً طيِّعَة فى يد الله القدير الذى أحسن إلى شعبه كل هذا الإحسان, والذى أعطى شخصية موسى هذه الصفات الرائعة, والذى أجرى كل الخوارق التى تمت مع هذا الشعب.
فلم تكن براعة موسى قادرة على إلحاق الضربات بفرعون وحاشيته وأتباعه, ولا على إهلاك أبكار المصريين دون العبرانيين, كما لم تكن بإمكانها شق البحر بواسطة الريح التى أزاحت المياه إلى الجانبين وجففت قاع البحر لإيجاد طريق للسير حتى الضفة الأخرى, ولم تكن المهارات التدبيرية قادرة على جذب أسراب السلوى وتوفيرها بمتناول اليد ولا توفير المن ذلك الطعام الفريد المتساقط يومياً رمزاً لخبز الحياة, ولا خروج ماء من الصخرة للشراب, ولا انتصار جماعة من شراذم العبرانيين الهزيلة الغير مدربة على جيوش شرسة دموية تحترف القتال وتفتخر بشراستها فتفتك بل تمحو أعداءَها تماماً عند أول التحام بهم.
لقد عرف موسى كيف يطيع الرب وكيف يضع كل القدرات والإمكانات عند أقدام الرب, فجعل منه ذلك الرجل الأسطورة الذى لا يمكن تخيل الأمة العبرية بدونه, ولا يمكن تصوُّر وجود تاريخ لليهود بدونه.
إن شخصية بهذا القدر لا يمكن أن يستوعبها عمل ضئيل كهذا البحث المتواضع, لأن موسى الذى وضع نفسه بين يدى الله طائعاً تابعاً لما يأمره به, قد رَفَّعَه الله وأجَلَّ قدره وجعله علامة فى تاريخ العلاقة بين الله والإنسان. فموسى شخصية أكثر من عظيمة بكل المقاييس.
الفصل الأول
النشأة والتكوين
***
أصل الشعب العبرانى تاريخياً :-
كلمة "عبري" أو "عبرانى" على رأي كثير من العلماء تعني أهل التجَوُّل والتنقُّل والعبور من مكانٍ لآخر، أي البداوة، أي أن العبرانيين كانوا بدواً أعراباً يتنقلون عابرين في البادية.
والعبرانيون مع إخوانهم من الشعوب القديمة التى عُرِفَت بالشعوب السامية[1] وهم: الأموريون, البابليون, الكنعانيون, الآراميون والعرب - الشعوب القديمة بالشرق الأدنى أى منطقة غرب آسيا- يرى بعض الباحثين اعتبارهم جميعاً بدواً رحَّلاً, و أن هذا الوصف أقرب لهم من تسمية السامية.
والعبرانيون هُم الشعب الذى جاء منه موسى, ثم جاء منه الرب يسوع المسيح فيما بعد فى الوقت المعين لدى الله والمسمى ملء الزمان, الشعب الذى إنتقاه الله من بين الشعوب ولم يكن له مَيزة عن باقىالشعوب إلاّ بمسيرالرب معهم "أليس بمسيرك معنا فنمتاز أنا وشعبك عن جميع الشعوب الذين على وجه الأرض" (خر33: 16) لكى يتم فيه وعد الله لآدم بالخلاص بعد العصيان والسقوط, وانتقاء الله لنوح وبنيه, ثم الوعد لإبراهيم الذى آمن وخرج من أهله و عشيرته إيماناً و طاعةً لخطة الله فحُسِبَ له بِرّاً (رو4: 3), ثم اسحق ثم يعقوب, الشعب الذى بدأ تاريخه فى أرضٍ غريبةٍ؛ أرض مصر(اع7: 6), مستعبداً مقهوراً, ثم أخرجه الرب بيدٍ عزيزةٍ مقتدرةٍ, ليعطى الرمز لعمل الله لخلاص الإنسان وخروجه من عبودية إبليس إلى أرض الميعاد, بعد الفصح ودم الحمل الذى هو العلامة على إطار الباب للحماية من مُهْلِك الأبكار.
هذا الشعب حسب التقليد اليهودى فى الأصل أرامىالجنس[2]؛ والآراميون منسوبون إلى جدهم آرام, وجاء العبرانيون من أرض الكلدانيين[3] من خلال ابراهيم أبو الآباء من مدينة أور جنوب نهرى دجلة والفرات: " ثُمَ تُصَرِّح وتقول أمام الرب إلهك آراميا تائها كان أبي فانحدر إلى مصر وتغرَّبَ هناك في نَفَرٍ قليل فصَار هناك أُمَّة كبيرة وعظيمة وكثيرة" (تث26 : 5). وقد عاش "تارح" أبو ابراهيم فى مدينة حاران؛ ومن هناك إنحدر إبراهيم ليتغرب فى أرض كنعان كما أمره الرب حيث أقام أولاً فى المنطقة الوسطى فى فلسطين ثم ارتحل إلى الجنوب نحو جبل حبرون, وضرب خيامه فى بئر سبع, وامتد إلى وادى العريش, وعاش مترحلاً فى خيام, لم يبْنِ بيوتاً ولم ينشئ مُدُناً ولم يُفَلِّح أرضاً.
وقد دُعِىَ ابراهيم عِبرانياً( تك 14 : 3 ) وعاش وتعامل مع الرب واختَبَر صَلاحَه وعظمَتَه حوالى 2000 سنة قبل ميلاد رب المجد فى جسد ناسوته, عاش كعِبرانى أى بَدَوِىّ مُتَرَحِّل؛ حيث كان العبرانيون طائفةً من البدو[4] الرُحَّل- كما سبق- لا يعيشون فى مدنٍ بل فى خيام حول المدن ويعملون بالرعى ولا يزرعون الأرض بل يتنقلون وراء العشبِ والكَلأ.
هكذا نرى ابراهيم ونسله آراميى الجنس, كل نسل ابراهيم. ولنا أن نَخْلُص إلى أنَّ العرب و إسرائيل يتشاركان فى النسب إلى الأصل الآرامى! وإن اختلطت الأجناس فيما بعد فى العصور الأحدث ولم يَعُد يوجد ما يمكن إعتباره الجنس النقى "Pure Race".
وقد بدأ تكوين الشعب العبرى فى أرض مصر عند نزول يعقوب وبنيه ضيوفاً على يوسف ومن ثَمَّ ضيوفاً على فِرْعَوْنَ وكلِّ مِصْرَ أثناء فترةِ مجاعةٍ قادَتَهُم بحثاً عن الطعام إلى لقاءِ يوسُفَ المفقود منذ صباه والذى رَتَّبَ له الله أن يصل إلى أرفع مناصب مصر بعد فرعون لإستبقاء حياة أبيه وإخوته. وكان ذلك حسب تقديرات أغلب الباحثين حوالى[5] سنة 1700 ق.م. حيث يُعتَقَد أنهم عاصروا حكم الهكسوس (1700-1570ق.م.) ثم جميع ملوك الأسرة الثامنة عشر(1570-1300ق.م.) ومنهم : تحتمس الثالث, وأمينوفيس الثالث, وأمينوفيس الرابع, وأخناتون. ثم أوائل ملوك الأسرة التاسعة عشر(1300-1200 ق.م.) ومنهم رمسيس الأول, وسيتى الأول, ورمسيس الثانى الذى يعتقد كثير من الباحثين أن الخروج تم فى عهده أى حوالى سنة 1280 ق.م.
وقد جاء إسرائيل وبنوه إلى مصر وكان عددهم 70 نفس "وكانت جميع نفوس الخارجين من صلب يعقوب سبعين نفساً ولكن يوسف كان في مصر" (خر 1: 5 ), وعند الخروج بعد مرور430 سنة على إقامتهم فى مصر بلغ عدد الشباب الذكور من سن عشرين سنة فما فوق 603550 شاب و رجل "فكان جميع المعدودين من بني اسرائيل حسب بيوت آبائهم من إبن عشرين سنة فصاعداً كل خارج للحرب في اسرائيل, كان جميع المعدودين ست مئة ألف وثلاثة آلاف وخمس مئة وخمسين" (عد 1: 45, 46) وبتَوَقُّع نسبة هؤلاء من التعداد العام فإن عدد الشعب ككل يصل حوالى مليونين ونصف نفس.
معنى إسم جاسان :-
ليس واضحاً تماماً معنى الإسم وأصله اللغوى, فالمُتَاح من المصادر المعنية لا يحسم الأمر, وربما أكثرما يوضح المعنى[6] هو أن الكلمة في العبرية هي "جوش" ()[7] ولا يعرف مدلولها بالضبط فى العبرية، ولكنها في الترجمة السبعينية باليونانية "جسم" (Gesem)أى "الأرض المنزرعة" وقد تأتى "جوشنGoshen " (وهي قريبة من الكلمة العربية "جشم يتجشم" بمعنى "يتحمل المشقة").
ويرى بعض علماء المصريات أنها من الكلمة المصرية القديمة "قاس" أو "جاس" التي تعني "الأرض المغمورة بالماء" إذ يبدو انها كانت المنطقة التى كان يتجمع فيها ماء النيل قرب مَصَبِّه عند الفيضان, حاملاً الطمى الذى أكسبها خصوبة مميزة, وهىالتي أطلق عليها الإغريق اسم "الولاية العربية" وهى ماتقع شرق دلتا النيل الى حدود سيناء والتي كانت عاصمتها "فاقوسة" ومعناها بالمصرية القديمة "يسكب".
فأقرب معنى للإسم إذاً ؛ هو ما يفيد الخصوبة و جودة الأرض.
ويَرِد ذِكْرُ جاسان فى صيغة الكلمة "جُوشنGoshen " وقد أُطْلِقَت على مناطق أخرى خارج الأراضى المصرية, كانت أرضاً خصبة أى "أرض مزروعة" مثل: منطقة كانت جنوبي فلسطين؛ "فضربهم يشوع من قادش برنيع إلىغزة وجميع أرض جوشن إلى جبعون" (يش 10 : 41)، "فأخذ يشوع كل تلك الأرض الجبل وكل الجنوب وكل أرض جوشن والسهل والعربة وجبل إسرائيل وسهله" (يش 11 : 16). كما كانت مدينة ليهوذا في الجبال بالقرب من بئر سبع بنفس الإسم؛ "وجوشن وحولون وجيلوه إحدىعشرة مدينة مع ضياعها"(يش15 : 51).
لذلك قد لا يكون الإسم لُغَوِيّاً من أصل مصرى نظراً لوجوده أيضاً فى هذه المناطق خارج مصر.
موقع و طبيعة أرض جاسان :-
نعلم من سفرالتكوين ص 47 أن اسرائيل وبنيه سكنوا أرض جاسان لدى وصولهم إلى مصرففى العدد6 نجد فرعون يعطى يوسف أن يُسكِن أهله فى أفضل ما يراه من الأرض"أرض مصر قدامك في أفضل الأرض أسكن اباك واخوتك ليسكنوا في ارض جاسان" ( تك 47 : 6 ). ونجد التنفيذ فىعدد11 "فأسكن يوسف أباه وإخوته وأعطاهم ملكا في أرض مصر في أفضل الأرض في أرض رعمسيس كماأمرفرعون" ( تك47: 11).
يُعتقد أنها المنطقة المجاورة "لبيسوبت" {تل بسطة أو كفرالحنة الحالية} على بعد نحو خمسة كيلومترات أو يزيد شرقي مدينة الزقازيق.
كما يُعتقد أنها كانت تقع شرقي فرع بوبسطة، أحد فروع النيل قديما، ويبدو واضحاً من المزمور(78 : 12 و43) أنهاهي أرض صوعن التي يرجح أنها أرض رعمسيس "أفضل الأرض" كما جاء وصفها في سفر التكوين ( 47 : 11 ) والتي أَسْكَنَ فيها يوسُفُ أباه واخوته (تك 45 : 10) وهوأول ذكرلها في الكتاب المقدس، وتذكرفي الترجمة السبعينية– كما سبق القول– باسم "جِسْم العربية " أو "الولاية العربية" والتي أطلق عليها هذا الاسم باعتبارها جزء متواصل مع صحراء سيناء و ما شرقها والتي كانت تُعْتَبَر الحدود الشرقية لمصر. ولم يكن معروفاً فى ذلك العصر ما نسميه اليوم "ترسيم الحدود" أو علامات الحدود الدولية, فكانت الحدود عبارة عن فواصل من أرض ذات مساحات مفتوحة.
وموقع أرض جاسان جغرافياً هكذا ومدخلها سيناء[8] أعطاها قيمة استراتيجية كمدخل لمصر من الشرق ولا بد أن هذا كان سبباً لقلق حكومة مصر آنذاك من وجود أغراب فى منطقة حساسة كهذه . وقد كانت بالفعل مدخلاً للغزوات التى عانتها مصر طوال تاريخها. وقد كانت أيضاً مدخلاً للقوات العربية التى دخلت مصر بقيادة عَمْرُ بن العاص[9] فى عهد عُمَر بن الخطاب الخليفة الثانى فى الإسلام.
وفي المرة الثانية التي يرد فيها ذكر جاسان(تك 46 : 28 و 29) نجدها فىالترجمة السبعينية[10]هكذا: "وأرسل يهوذا أمامه إلى يوسف ليقابله في "مدينة هيروس" (أو هيروبوليس)، ثم جاءوا إلى أرض رعمسيس، فشد يوسف مركباته وصعد لاستقبال إسرائيل أبيه في مدينة هيروس". ومن هنا نرى أنه في القرن الثالث قبل الميلاد (عند وضع الترجمة السبعينية) كانوا يعتبرون أن أرض جاسان هي كل المنطقة الممتدة جنوبا حتى هيروبوليس الواقعة في وادي طميلات. وكانت جاسان أرض مراع تكثر فيها الزراعة ويَكْثُر العُشْب الطبيعى المناسب للرعى (خر 8 : 22، 9 : 26).
نَسْتَنتِج أنه كان لفرعون قصراً على أحد فروع النيل التى كانت فى ذلك الوقت (فرع بو بسطة) فى أرض جاسان أو فى حدود منطقتها فقد وضعت أم موسى السفط بين الحلفاء فى منطقة من النيل غير بعيدة ولعل السيدة يوكابد قد إختارت المكان بعناية وذكاء, وكانت أخت موسى قادرة على متابعة السفط وبه موسى حتى نزول إبنة فرعون إلى النيل قرب قصرها كما عادت الطفلة إلى أمها لتحضرها إلى الأميرة لإلحاقها بالعمل كمرضعة لأخيها. فالمسافة إذاً لم تكن كبيرة بين الموقعين .
كما نستنتج أن هذه المنطقة من النيل كانت آمنة لدرجة كافية؛ من تماسيح النيل المتوحشة, ومن المتطفلين من عامة الناس؛ حتى أن الأميرة جعلت منها مسبحها, وقد كانت النساء فى مصر القديمة يُعَبِّرْن عن تقديرهن للنهر بالإغتسال[11] فيه وقت فيضانه (كجزء من طقوس إختص بها المصريون نهر النيل الذىعُبِدَ وعُرِفَ باسم الإله "حابى" واعتبروه مصدر الخير فى البلاد).
وقد كانت منطقة إقامة أسرة موسى أو منطقة جاسان عموماً - بخلاف خصوبة وجودة أرضها- من المناطق المتميزة والمريحة وتتمتع بمواصفات بيئية جيدة إلى حد كبير حيث أقيم فيها قصر ملكى وسكنتها أسرة فرعون.
موقف فرعون وسياسة الدولة الفرعونية نحو العبرانيين :-
بعد مرور حوالى 350 سنة على وصول بيت اسرائيل و إقامتهم فى مصر- وقت مولد موسى- كانت الأحوال قد تبدلت مع الشعب العبرى :
انتهت فترة حكم تميزت بالتقدير ليوسف العظيم ولشعبه وبالعرفان بالجميل للرجل الذى وقى البلاد وما حولها من كارثة مجاعة مهلكة لوقت طويل. فبمرور الوقت لم يَعُدْ يُذْكَر شئ عن ذلك, وبقى فقط أن العبرانيين شعب غريب ليس له إلاَّ العبودية للمصريين أصحاب الأرض وأسيادها.
حياة الرعاة التى كان العبرانيون يعيشونها لم تكن حياة كريمة, ولا العمل بالرعى كان محترماً بل كان نجساً عند المصريين. كما أن المصريين نظروا بإستعلاء لغيرهم من الشعوب, لِمَا كان لهم من تقدم حضارى و تَمَدْيُن عَمَّن حولهم.
إتصفت تلك الفترة بحالة الصراع بين المصريين والهكسوس, و تولد الشعور بإحتملات الخيانة من أى غريب إن نشبت حرب, وقد بدا للمصريين أن العبرانيين أقرب للهكسوس كرعاة مرتحلين.
إفتقر ذلك الزمان لوسائل الإتصال والتواصل بين التجمعات البشرية- رغم إقامة العبرانيين بين المصريين- ونزوع الأجواء العامة للغموض مما أوجد التوجس وإفتراض سوء النية تجاه الآخر.
كانت منطقة جاسان مدخلا للبلاد من جهة الشرق حيث أغلب التهديدات بغزو أجنبى فى تلك الفترة بل وعبر تاريخ مصر- كما سبق- حيث تكتسب هذه المنطقة قيمة استراتيجية كبيرة فى كونها بوابة رئيسية للبلاد. وكان استقرار وزيادة تعداد الشعب العبرى فى منطقة جاسان, سبباً للتوتر والقلق من وجود أجانب بهذا العدد داخل الأراضى المصرية, قرب حدودها الشرقية.
تحددت خطة تعامل الدولة الفرعونية مع العبرانيين فى إتجاهين:
أولاً : إستنفاذ طاقة الشعب والإستفادة منه بعيداً عما يثير الهواجس الأمنية؛ كأيدى عاملة فى صناعة اللُّبْن أى طوب البناء, وتسخيرهم فى بناء مدن المخازن "فيثوم ورعمسيس".
ثانياً : ضرب فُرْصَة وجود القوة الفاعلة عسكرياً لدى الشعب على المدى الطويل؛ بقتل الأطفال الذكور عند مولدهم.
استدعى فرعون القابلتين "شِفْرَة, وفُوعَة" اللتين كانتا تعملان فى منطقة العبرانيين, وأمَرَهُمَا أن تَقْتُلا كل مولود ذكر للعبرانيين, لكننا نقرأ فى (خر1: 17) ما سطره الوحى المقدس أنهما "خافتا الله ! ولم تفعلا كما كلمهما ملك مصر" وتعللتا عندما سَاءَلْهُما الملك بأن نساء العبرانيات لا ينتظرن قدوم القابلة لأنهُن قويّات.
وقد تعللت القابلتان فىدفاعهماعن نفسيهما بملاحظة طبية عن الشعب العبرى وهى سرعة تقدم عملية الولادة "Labour Progress" حيث تنتقل من المرحلة الأولى إلى الثانية[12] بسرعة, وأيضاً قوة تحَمُّل النساء العبرانيات الآلام الكاذبة التى تسبق التطور الجاد للولادة "False Labour Pain" ذلك لأن مستوى إستشعار الألم "Pain Threashold" يكون عالياً لديهن فتبدأ السيدة العبرية الشعور بالألم فى مستوى أشد منه عند غيرها, ولذلك لا يتم استدعاء القابلة إلاَّ فى شديد الأمر. كما أن هذا التَحَمُّل قد يستمر حتى إتمام الولادة بالفعل قبل وصول القابلة التى كان يتم استدعائُها بذهاب أحد الأشخاص إليها, وتشرع فى التوجه إلى المكان, حتى وصولها الذى يستغرق وقتاً حسب إمكانيات المواصلات المتاحة وقتها, فتتم الولادة فى هذه الأثناء وتقوم الأم والمحيطين بها بتولى أمر الطفل فلا يعود بمقدور القابلة الإستحواذ على الطفل وقتله.
هكذا كان دفاعُهُما وقتها, أما السبب الذى أعلنه الوحى المقدس فيما بعد عند كتابة سفر الخروج هو أنهما "خافتا الله", فقد أطاعتا صوتاً غامضاً داخلهما لم تكونا عارِفتَيْن كُنْهِه. وقد باركهما الله وأحسن إليهِما وكافأهُما؛ بأن أصبح لكل منهما بيتاً كما يذكر الوحى المقدس (خر1: 20, 21).
جدير بالتأمل أمر هاتين القابلتين المصريتين : " خافتا الله "
كان أمر فرعون بقتل جميع الأطفال الذكور من أبناء العبرانيين واجب النفاذ, ولم يكن بإستطاعة أحد أن يخالف هذا الأمر خاصة وأن فرعون ازداد غضباً عندما لاحظ استمرار النمو العددى وزيادة أولاد العبرانيين, وفى هذه الأجواء وُلِدَ موسى, وقام والداه بإخفائه إذ بالإيمان كانا يريانه جميلاً للرب, وبعد ثلاثة أشهر لم يمكن إخفاؤه أكثر: "بالإيمان موسى بعدما وُلِدَ أخفاه أبواه ثلاثة أشهر لأنهما رأيا الصبي جميلا ولم يخشيا أمر الملك" (عب: 11– 23), "ولَمَّا لم يمكِنها أن تخبئه بعد أخذت له سفطاً من البردي وطلته بالحُمْر والزفت ووضعت الولد فيه ووضعته بين الحلفاء على حافة النهر, ووقفت أخته من بعيد لتعرف ماذا يُفْعَل به" (خر 2: 3 , 4).
ميلاد موسى ونَسَبُه وأسرَتُه :-
موسى هو ابن عمرام بن قهات بن لاوى بن يعقوب إسرائيل, إذ تزوج عمرام عمته يوكابد أخت قهات وبنت لاوى: "وأخذ عمرام يوكابد عمته زوجةً له فولدت له هرون وموسى وكانت سنو حياة عمرام مئة وسبعا وثلاثين سنة" (خر 6 : 20 ) إذ كان ذلك ممكناً قبل الشريعة التى تسلمها موسى نفسه بعد ذلك .
ويبيّنلناسفرالتكوينأنتسعةوخمسينعاماًانقضتمابينموتيوسفوولادةموسى.
وقد ذكر الوحى المقدس فى بدء عرضه لقصة ميلاده دون أن يذكر اسما أبويه اكتفاء بالقول : "وذهب رجل من بيت لاوي وأخذ بنت لاوي" (خر 2: 1)، فلا يُذكر إسماهما إلا في الأصحاح السادس (حيث يعرض الوحى المقدس سلسلة أبناء لاوى)، وهما عمرام بن قهات، ويوكابد عمته (خر 6: 20).
ثم عبارة "فحبلت المرأة وولدت ابناً" (خر 2:2)، مما قد يُفْهَم منه أن هذا الإبن كان ابنها الأول، ولكننا نعرف أنه كان له أخت أكبر منه، كانت تحرس السفط[13] {وعاء يشبه القفة أو السلة} الذي وضعته أمه فيه بين الحلفاء، وكانت هذه الأخت فى سن تستطيع تتبُّع أخاها ولها من الحكمة ما جعلها تراقب الموقف وتنتهز الفرصة لتجعل من أم موسى مرضعةً له. كما نجد فى (خر7:7) أن الولد له أيضاً أخ أكبر منه بثلاث سنوات.
كانت الأسرة على وعى بوعود الله, و ثقة فى إله آبائهم المزمع أن يفتقدهم؛ يذكر سفر العبرانيين "بالإيمان موسى بعدما وُلِدَ أخفاه أبواه ثلاثة أشهر لأنهما رأيا الصبي جميلا ولم يخشيا أمر الملك" (عب : 11 – 23 ), "ولما لم يمكنها أن تخبئه بعد أخذت له سفطا من البردي وطلته بالحمر والزفت ووضعت الولد فيه ووضعته بين الحلفاء على حافة النهر, ووقفت أخته من بعيد لتعرف ماذا يفعل به" (خر 2: 3 , 4). كما أن أخاه هارون كان يكبره بثلاث سنوات (خر7:7)، مما يدل على أن أمر فرعون بقتل أولاد العبرانيين صدر بعد ولادة هارون وقبل ولادة موسى.
وعلى ذلك يكون ترتيب الأخوة الثلاثة: مريم, هارون ثم موسى. بفارق ثلاث سنوات بين الواحد والآخر.
معنى اسم موسى :-
هناك رأيان فى أصل كلمة موسى من حيث انتمائها إلى أى من اللغة العبرية أو اللغة المصرية القديمة, ولكل منهما ما يؤيده من إشتقاق الكلمة من المعانى المتاحة لكل لغة:-
- الاسم في العبرية "موسى" يغلب أنه مشتق من كلمة تعني "ينتشل" لأن ابنة فرعون "انتشلته من الماء": "ولما كبر الولد جاءت به إلى ابْنَةِ فِرْعَونَ فصار لها ابناً و دَعَت اسْمَهُ مُوسى و قالت إني انتَشَلْتُهُ من الماء" (خر 2: 10)، ونجد معنى الإنتشال فى النشيد الذى كلم به داودُ الرَّبَ عندما أنقذه من يد أعدائه ومن يد شاول؛ والذى يرد فى كل من: (2 صم22: 17) و(مز18: 16) "أرسَلَ مِنَ العُلَى فأخَذَني نشَلَني من مياهٍ كثيرةٍ".
- أما في اللغة المصرية القديمة فمعناه "ابن"، وقد جاء في الكثير من أسماء الفراعنة، مثل "أحمس" (أو أحموسا)[14] أي ابن الإله "أح" ، و"تحوتمس" أي ابن الإله "تحوت" (أو توت)، و"رعمسيس" (أو رمسيس) أي ابن الإله "رع" .. وهكذا.
لقد نشأ موسى وتربى فى بيت ابنة فرعون وحتى الأربعين من عمره ومن الطبيعى أن يتمشى اسمه مع معانى اللغة الفرعونية, وربما نفترض أن انتماء الكلمة لغوياً أكثر الى الهيروغليفية (أو الهيراطيقية) منه الى العبرية, خاصة والإسم إختارته ابنة فرعون, وربماأعطت الكلمة معنىً فى المصرية القديمة (قد نكتشفه لاحقاً) يفيد الإنتشال من الماء ايضاً وليس فقط بمعنى إبن, فلا يمكننا الفصل بالمعنى فى اللغة المصرية القديمة بأكثر من كونه يعنى (ابن). لكن المهم أنه لدينا نصاً محدداً بالكتاب المقدس, فقد جاء الوحى المقدس هكذا : "دعت اسمه موسى وقالت إني انتشلته من الماء" (خر 2: 10) .
وينتمى التركيب اللغوى للإسم ككلمة ذات معنى تام إلى اللُّغة العِبرية, ومعنى الإنتشال يتحقق أكثر فيها؛ فيتضح هذا من المزمور- الذى سبق الإشارة إليه- والذى تغنى به داود و يرد فى كل من:(2 صم22: 17، مز18: 16) ( أرسل من العُلَى فأخذني نَشَلَني من مياه كثيرة ) , ونصه فى العبرية هو :
و يمكن أن نفترض إستعانة الأميرة الفرعونية بالمربية العبرية السيدة يوكابد فى إختيار إسم يعبِّرعن معنىً أرادته هى, أو بقبولها إقتراحأً بالإسم, وقد قبلت سابقاً إقتراحاً بالمُرْضِعة العِبرانية تقدمت به الطفلة مريم التى أدخلت نفسها فى المشهد آنذاك بذكاء و لباقة فى الوقت المناسب.
يُذْكَر اسم موسي[15] أكثر من 830 مرة بالكتاب المقدس, منها حوالى750 مرة في العهد القديم، 79 مرة في العهد الجديد، وجميعها تشير إلى "موسى بن عمرام بن قهات بن لاوى" القائد والمُشرِّع والنبي العظيم.
كُتُب التاريخ وقصة موسى :-
لأنَّ كُتَّاب التاريخ ينقسمون إلى قسمين أولهم من يُصَدِّق على الوحى المقدس ورواياتِه التى يتجلى فيها التناسق ضِمْن خطة إلهية مترابطة لها هدف وتسلك مَساراً مُرَتَّباً, والثانى من ينكر ذلك ويَعْتَبِر مرجع أحداث الكتاب المقدس إلى الأساطير القديمة , فإن مجرد ورود بعض الأحداث التى يُقِرُّها أهل الفريق الرافض فى كتاباتهم يصبح دليلاً مُعْتَبَراً لصالح الكتاب المقدس و رواياتِه, وليس ضده كما يريدون.
ومن الفريق الثانى نقرأ للمؤرخ الشهير ج. ويلز(H . G. Wells) فى كتابه[16] (The Outline of History) والمُتَرْجَم (معالم تاريخ الإنسانية) الكتاب الرابع, الفصل الثامن عشر, ما يورد فيه أن قصة استقرار بنى اسرائيل فى مصر واستعبادهم هى قصة عسيرة معقدة. إلا أنه يتبع ذلك بالقول أن هناك سجل مصرى يشير إلى نزول بعض الشعوب السامية بأرض جاسان (Goshen) بأمر الفرعون رمسيس الثانى, وجاء بهذا السجل أنهم لجأوا إلى مصر بسبب افتقارهم إلى الطعام. ولكن الكاتب يركز على أنه ليس هناك قَطّ أى سِجِلّ مصرى يتحدث عن حياة موسى وأعماله. وعن الضربات المذكورة فى سفر الخروج يقول أنه لم يصل إلينا أى بيان تاريخى عن إصابة مصر بالطاعون ولا عن أى فِرْعَون أُغْرِقَ فى البحر الأحمر.
هكذا كَتَبَ "ويلز" رغم أنه ليس مُسْتَغْرَبَاً غياب موسى من الآثار الفرعونية حيث أنه لم يكن له دور تاريخي مع المصريين بل طبعاً كان دوره مع العبرانيين, ولا يمكن مثلاً إعتبار غياب موسى من بَرْدِيّات ومَسَلاَّت الفراعنة المتاحة لنا حتى الآن دليلاً على وهمية شخصية موسى, وأسطورية روايات الكتاب المقدس, فموسى لم يكن زعيماً مصرياً حرص على تخليد إسمِه فى الآثار المصرية التى خلفتها الإمبراطورية المصرية القديمة, ولا قائداً عسكرياً فى الدولة المصرية عاصر تحَوُّلاتٍ تاريخيةً فى حكمِ مِصرَ وجاء ذِكْرُها فى الآثار المصرية دون ذِكْر موسى.
ويستمر ويلز فى نفس الفصل الثامن عشر فى عرض رؤيته لقصة الطفل موسى وإخفائه فى السفط فى النيل فيقول أنها تحتوى على قدر كبير من شذى الأساطير وبها شبه كبير من أسطورة سومرية قديمة عن سرجون الأول الذى يتحدث عن نفسه قائلاً [17]:
"ها أنذا سرجون الملك القوىّ ملك أكاديا . كانت أمى فقيرة, وما عرفت أبى قط, وكان شقيق أبى يعيش بين الجبال ... وقد ولدتنى أمى الفقيرة سراً, ووضعتنى فى سلة من القصب, وأغلقت بابها بالقار, ثم ألقتنى فى النهر, فلم تبتلعنى لججه بل حملتنى مياهه حتى أوصلتنى إلى (أكى) الموكل بالرّى. وقد تلقانى أكى هذا فى طيب قلبه. وربَّانى أكى حتى أصبحت غلاماً يافعاً. وجعلنى أكى بستانياً. وأدْخَلَت خدماتى كبستانى السرور على قلب (عشتار) وبذلك أصبحت ملكاً". ويتبع الكاتب ذلك بما يورده عن لوحة طينية[18] يذكر أنها أُكتشفت حديثاً - وقت وضع كتابه[19] - كتبها الولاة المصريين على إحدى مدن كنعان إلى "أمنحوتب الرابع" أحد ملوك الأسرة الثامنة عشرة المتقدمة فى الزمن على رمسيس الثانى, وفيها يذكرون اسم العبرانيين صراحة, وأنهم يجتاحون أرض الكنعانيين. والكاتب يهدف هنا إلى نفى أن يكون رمسيس الثانى وهو من الأسرة التاسعة عشرة هو فرعون وقت الخروج أو من يُسَمَّى أحياناً (فرعون موسى) حيث كان فى الحكم وقت دخول العبرانيين أرض كنعان, وليس وقت خروجهم من مصر .
وعلى أى الأحوال فلسنا بصدد إثبات أونفى روايات الوحى المقدس التى يمكن أن تتسع لها مجالات أخرى أكثر عمقاً وتخصصاً, وليس الغرض هو مطابقة الكتاب المقدس بالتاريخ وأبحاثه.
لكن هكذا ترد أحياناً قصة موسى والشعب العبرى عند المؤرخين.
التهذيب والإعداد لعمل خاص جداً (فى بيت ابنة فرعون) :-
بينما كان القتلُ مصيرَ الأطفال الذكور من العبرانيين؛ تَربَّى موسى فى كنف ابنة فرعون, وقامت أمه يوكابد بإرضاعه وتربيته لإبنة فرعون, وتقاضت أجراً, وتحت سمع وبصر فرعون وكل الشعب, وأُعتُبِرَ موسى حفيداً لفرعون, فمَن مِن المِصْرِيين يجرؤ على المَساس به؟ ما أعجب وما أروع تدبير الله.
لقد تولّت أم موسى الحقيقية (يوكابد) تربيته تحت رعاية الأميرة الفرعونية, فعلّمَتْه فى سنواته الأولى أنه سليل ابراهيم واسحق ويعقوب, وأنه من شعب يرعاه إله آبائه, وكان لحرص الأم على زرع الإيمان فيه أكبر الأثر فى حمايته من الإنسياق وراء آلهة المصريين وأوثانهم. وللسنوات الأولى من عمر موسى من خلال تربية أمه يوكابد أكبر الأثر فى إيمان موسى بإله آبائه.
لابد أن موسى تلقى تعليمه الأوَّلى كعادة أبناء الأمراء على يد معلِّمين متخصصين فى تعليم أبناء الأمراء و الملوك, ولابد أن نشأته الأولى بين أقرانه من طبقة الأمراء زرعت فيه مكونات شخصية خاصة باعتباره أميراً يُعَد لمهام قيادية, فقد يتولى قيادة عمل من أعمال الحكم فى الدولة, أو قيادة عمل عسكرى فى الحروب. كان الإعداد المعنوى فى هذه الفترة فىغاية الأهمية.
نتوقع أن يكون موسى قد تلقى علومه بعد ذلك فى جامعة هليوبوليس مثلاً أو أى من المعاهد الدراسية التى كان كهنة الفراعنة يقومون على شئونها وأبحاث علومها (التى ربما كانت فى الكثير منها خاضعة لأعمال السحر), ولم يكن متاحاً فى ذلك الوقت لعامة الناس الوصول إلىهذه العلوم فقد إحتكرها الكهنة وقدموها فقط للصفوة كالملوك والأمراء الذين نشأ موسى بينهم .
تنوعت علوم الفراعنة بين الطب, الهندسة, القانون, علوم الإدارة, الزراعة, الفلك, الجغرافيا, الكيمياء, علوم الفيزياء كالضوء والصوت وخواص المادة, وغير ذلك الكثير مما يعطى كفاءات معرفية فائقة وقدرات متميزة لدارسى هذه العلوم.
اقتضت الدراسة فى ذلك العصر المرور بمختلف العلوم وعدم الإقتصار على تخصصات معينة وتحصيل قدر محترم من جميع العلوم , فقد تعلم موسى وتهذب بكل علوم عصره "فتهذب موسى بكل حكمة المصريين وكان مقتدرا في الأقوال والأعمال" (اع 7 : 22) وكانت مصر قائدة حضارة عصرها, ومازال العلم الحديث ينبهر بما يمكن أن يعرفه عن علوم المصريين القدماء.
ذكر المؤرخ العظيم "يوسيفوس"[20] أن موسى قاد حملة من الحملات الفرعونية إلى الحبشة, وأنه استطاع إحراز نصر كبير حتى أن فرعون كافأه بأوسمة, كما زوَّجَهُ ابنتَه (كانت تدعى ساربيس) مكافأةً له حسب عادات ذلك العصر.
دور الأم فى صناعة شخصية موسى: -
أم موسى هى يوكابد بنت لاوى بن اسرائيل, وقد وُلِدَت له وهو شيخ فى مصر.
الكلمة "يوكابد" تعنى: "مجد الله"
تحتل السنوات الأولى من عمر الطفل أول وأهم المؤثرات التى تشكل تكوين ووجدان الإنسان, وذلك ما تُجْمِع عليه مدارس التحليل النفسى- سواء ما وضعه سيجموند فرويد أو ما وصل إليه آخرون- وأيضاً مدارس التعليم ونظريات التربية.
يصعب على الشخص إدراك العلاقة بالله مالم يكن قد إختبر ذلك من خلال تربيته[21] فى السنوات الأولى, وشعر بالعلاقة مع الوالدين كمثال لعلاقته بالله.
تميزت شخصية موسى بعلامات الأبوة نحو الشعب والمشاعر الرعوية رغم المصاعب التى مر بها مع شعب متمرد صعب المراس كالشعب العبرى, كما تمتع بقدر كبير من الشهامة. ولم تأت هذه الأبوة وهذه النخوة من فراغ, فقد كان لوجود السيدة "يوكابد" فى سنوات عمر موسى الأولى دوراً حيوياً وأساسياً.
فهى بما أنها أمه الحقيقية؛ أعطت ابنها كل حنان الأم واهتمامها بإخلاص حقيقى وصادق, فنشأ الصبى مرتوياً لا يعانى الحرمان من الأم, وربما كان سيختلف الأمر لو كانت مكانها مرضعة أو مربية أخرى تعمل لمجرد الأجر. وهكذا فقد تَوَفَّر لموسى فى نَشْأَتِه: رغد العيش كأمير, وتعليم جيد منذ الطفولة, وأم حقيقية رائعة عرفت كيف تصنع من إبنها رجلاً لم يشهد تاريخ الشعب اليهودى مثله. "ولم يقم بعد نبى فى اسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجها لوجه" (تث 34 : 10).
ونتوقع أن يكون الإرتباط الوجدانى بين الطفل وأمه يوكابد قد إمتد بعد السنوات الأولى من العمر, ولم يتوقف بإنتهاء مدة الرضاعة, بل إستمر الى كل مرحلة الطفولة والمراهقة والشباب, بل سيكون من الطبيعى جداً إمتداد هذه العلاقة وهذا الإرتباط حتى نهاية حياة السيدة يوكابد, ويعتبر أمراً عادياً لدى النبلاء والأمراء بل وجميع الأوساط فى بنى البشر؛ أن يرتبط الشخص بالسيدة التى نشأ على صدرها.
وبما أنها مؤمنة بوجود ترتيب إلهى بخصوص شعبه, وتعرف كم كان الرب إلهاً قديراً مع آبائها فقد قامت بتلقين موسى الطفل كل ذلك , وعلمته تاريخ آبائه واختباراتهم مع يهوة إله ابراهيم واسحق ويعقوب .
أمرٌ آخر يَخُصُّ هذه السيدة العظيمة وهو أنها ولابد كانت على قدر عظيم من الحكمة والذكاء , ورغم قلة ما يذكره الوحى المقدس عن شخصية هذه السيدة, إلا أننا نستطيع إستنتاج ذلك ولو من إعتبار عامل الوراثة الذى جعل أخت موسى الصغيرة تتصرف بذكاء مدهش عندما عثرت الأميرة الفرعونية على أخيها الطفل, كما أن موسى نفسه تمتع بذكاء فطرى موروث فى أغلب توقعنا له؛ وقد ظهر فى مختلف المواقف التى مر بها مع الشعب فى الخروج ثم فى البرية (بجانب المَلَكات الإدارية والتدبيرية والقيادية المكتسبة من خلال تعليمه وثقافته التى نشأ عليها, وبالطبع التَدَخُّلاَت الإلهية فائقة الإبهار التى صاحبت الشعب سواء فى الخروج أو فى رحلة البرية).
الأب عمرام بن قهات بن لاوى بن اسرائيل :-
كلمة "عمرام" تعنى: "شعب مرتفع".
لم يذكر الوحى المقدس الكثير عن والد موسى, سوى أنه بن قهات بن لاوى, وقد تزوج يوكابد عمته, وأنجب هرون وموسى ومريم أختهما:
- "وبنو قهات عمرام ويصهار وحبرون وعزيئيل وكانت سنو حياة قهات مئةً وثلاثاً وثلاثين سنة" (خر 6 : 18).
- "وأخذ عمرام يوكابد عمته زوجة له فولدت له هرون وموسى وكانت سنو حياة عمرام مئة وسبعاً وثلاثين سنة" ( خر 6 : 20 ).
- "واسم إمرأة عمرام يوكابد بنت لاوي التي وُلِدَت للاوي في مصر فوَلَدت لعمرام هرون وموسى ومريم أختهما" (عد 26 : 59).
لم يكن لعمرام دور فى حياة موسى كالذى كان لآبائه مع أبنائهم (ابراهيم مع اسحق, واسحق مع يعقوب, ويعقوب مع الأسباط) كما لم يكن كالدور الذى لعبته أم موسى فى حياة ابنها, وربما توفى مبكراً, أو من الجائز أنه لم يكن له أن يتواجد كثيراً مع ابنه موسى على غير ما كان من حق أمه يوكابد وهى المرضعة التى إعتمدتها الأميرة ويمكنها أن تتواجد معه فى أى وقت, داخل أوخارج قصر الأميرة, وحتى بعد إنتهاء الرضاعة وتسليم الطفل للأميرة التى تبنته.
وبرغم قلة ماذكره الوحىعنه إلا أن إيمانه هو وزوجته كان جديراً بالتسجيل: "بالإيمان موسى بعدما وُلِدَ أخفاه أبواه ثلاثة أشهر لأنهما رأيا الصبي جميلاً ولم يخشيا أمر الملك" (عب 11 : 23).
الحياة فى مصر وتأثيرها على سلوك و فكر الشعب العبرانى :-
الشعب العبرى فى مصر؛ شعبٌ أغْفَل علاقتَه بإلَههِ واستسْلمَ لنيرِ العُبُوديَّةِ وروح الوثنية.
قضى العبرانيون فى مصر مدة 430 سنة: "وأمَّا إقامة بني اِسرائيل الَّتي أقامُوها في مِصْرَ فكانت أربعِ مئةٍ وثلاثينَ سنةٍ" (خر12 : 40).
عاش الشعب الفترة الأولى فى رخاء, ورفاهية وكرم ضيافة كما يليق بأهل يوسف الذى احترمه المصريون: "وسكن اسرائيل في أرض مصر في أرض جاسان و تملكوا فيها وأثمروا وكثروا جداً" (تك 47 : 27 ), منذ وصول يعقوب وأولاده الى مصر والوعد بالخروج وإمتلاك الأرض التى وعد الله بها ابراهيم واسحق ويعقوب قائم لدى الشعب الذى تَكوَّن فى أرض مصر وأصبح جمهوراً عظيماً. وقد سلم الآباء لأبنائهم هذا الوعد الإلهى(رغم ظروف العبودية والحال السيئة التى صار عليها الشعب), وقد طلب يوسف عند موته أن يُصعِدوا عظامه معهم وقت خروجهم من مصر: "بالايمان يوسف عند موته ذكر خروج بني اسرائيل وأوصى من جهة عظامه" (عب 11 : 22), "واستحلف يوسف بني اسرائيل قائلا الله سيفتقدكم فتصعدون عظامي من هنا" ( تك 50 : 25 ). "وأخذ موسى عظام يوسف معه لأنه كان قد استحلف بني إسرائيل بحلفٍ قائلاً إن الله سيفتقدكم فتُصْعِدون عِظَامي مِن هُنا معكم" (خر13: 19).
تغيَّرَ الحال مع تَغَيُّرِ العصر وتَغَيُّرِ الحاكم:" ثم قام ملك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف" (خر1: , وبعد أن عاش الجيل الأول من شعب إسرائيل هانِئاً بتأثير شخصية يوسف العظيم وفَضْلِه فى مواجهة المجاعة وتقدير وعرفان المصريين, تغيرت الأجيال وأصبح العبرانيون شعباً منبوذاً يكتنفه الغموض, مشكوك فى ولائه ومصدر قلق لجهاز الحكم فى مصر.
عاش الشعبُ غريباً؛ فلم يشعر أبناء إسرائيل بالمُوَاطَنَة التى كانت من حق المصرى, ولابد أنه كانت هناك تفرقة واضحة سواء فى تعامل نظام الدولة الرسمي معهم أو فى سلوك أفراد المصريين نحوهم, وبالرغم من أن مصر فى ذلك العصر بلغت رُقِيّاً وحضارةً على أفضل مستوى عرفته الأمم حولها؛ إلا أنها لم تكن تُعْطِى إهتماماً لما نسميه حالياً بحقوق الإنسان ونبذ التفرقة العنصرية والمساواه بين الناس وكل القيم النبيلة التى ترعاها المجتمعات المتحضرة حالياً, فلم يكن هذا مفهوماً وقتها.
لذلك نشأت أجيال من الشعب لا تعرف معنى الحياة الكريمة , تقبل لنفسها حياة المَهَانة باعتبارها أمراً عادياً, وتأقلَمَت النفوس لتتوافق مع حياة الذُّل على أنها الصورة العادية للحياة. وعندما حاول موسى القيام بدور القائد للخلاص لم تكن هناك استجابة من الشعب, بل كان رفضاً؛ "فظن أن اخوته يفهمون أن الله على يديه يعطيهم نجاة, أما هم فلم يفهموا" (أع 7: 25).
إتّصَفَ الشعب العِبرى فى هذه الفترة بعدة خِصال إنتقصت منه كثيراً كشعب الله الذى خصَّصَه لنفسه كشعب مقدَّس يأتى منه مخلِّص البشر, غير أن الله فى رحمته لا يتغير حسب حالة البشر, بل يظل أميناً بصرف النظر عن عدم أمانة الإنسان.
وكان من الصفات الرديئة لهذا الشعب فى مصر أنه :-
· فَقَدَ دَوْرَه فى الشهادة لله يهوة, إذ تخلى عن مظاهر عبادة إله آبائه أو حتى مجرد ذكر اسمه خوفا من المصريين الذين يعبدون آلهة أخرى, ولم يُظْهِروا صلاحه أمام المصريين, وبذلك لم يكن فرعون ولا المصريين على علم بمن هو هذا الإله الذى يتحدث عنه موسى طالباً خروج الشعب للبرية لعبادته.
· طغت وثنية المصريين علىفكر ووجدان الشعب فضعُفَ الإرتباط والعبادة لله إله إبراهيم واسحق ويعقوب, وضعُفَت حالة الشعب روحياً, ولم يكن ممكناً تقديم الذبائح من الحيوانات[22] التى كان يقدسها المصريون, فقد كانت عبادة الحيوان جزءاً أساسياً من الديانة المصرية, فهل يتغافل المصريون عمَّن يذبح آلهتهم؟. لقد كان الأمر مستحيلاً على مرأى من المصريين.
· تأثر العبرانيون خلال مدة إقامتهم فى مصر بعبادات المصريين, مثل عبادة العجل "أبيس Apis" وتخيلوا أنه يصلح أن يكون إلهاً لهم, وقد ظهر ذلك عندما غاب عنهم موسى فى الجبل, واستطاعوا إقناع هارون بصناعة نسخة من أبيس لعبادته.
· نشأ جيل يجهل تماماً إختبار إله الآباء, إختباراً حياً فى الحياة. ولم يعد الشعب يدرك ما الذى يميز هذا الإله عن الآلهة الحيوانات.
· فَقَدَوا حاسة إستشعار زمن الخلاص, ووضعوا جانباً وعود الله للآباء بالخروج من مصر والإنتقال إلى أرض مباركة, ولم يهتموا بها. وعندما حاول موسى أن يعلن نفسه قائداً للخلاص لم يفهموا ذلك.
· شعب صغير النفس تعود على الضغوط, تأصَّلت فيه الدُونِيَّة.
· شعب أُصيب بمرض اعتياد الأمور, فلم يعُد يميز حاله إن كانت على ما يُرام أم لا.
· رغم قسوة العبودية, إعتاد الإستكانة والهوان ولم يألف الحرية ولم يهتم بها.
· و رغم خضوعه للغير تحت العبودية, فهو شعب مُتَبَرِّم يرفض الإنخراط فى نظام يقوده أحد أبنائه.
الفصل الثانى
البداية المبكرة والهروب ومدرسة البريَّة
***
الإرتباط الوجدانى بالأهل والإندفاع العاطفى فى غير وقته:-
ببلوغ موسى الأربعين سنة الأولى من عمره كان شعوره نحو أهله من العبرانيين قوياً بشكلٍ واضحٍ, حيث نرى خُرُوجَه لتَفَقُّد أحوال أهلِه فى (خر2: 11) مدفوعاً بحنين العشيرة رغم ما يمكن أن نتوقعه من عدم المبالاة لدى من عاش حياة القصور بل ربما وريث للعرش الفرعونى باعتباره حفيد فرعون بالتبنى, ولماذا يغامر شخص فى مكانة كهذه بمستقبله السياسى, وهو فى غِنَىً عن إقحام نفسِه مع شعب منبوذ مُسْتَعْبَد لن يُفيدَه فى شئ, بل سيخسر مكانته أو موقعه من ترتيب الأمراء فى أحقية الجلوس على عرش البلاد.
لم يكن موسى نَفْعِيّاً براجماتياً "Pragmatic", بل لم يكن حتى ممن يُؤْثِرون راحة البال واللامبالاة بل إختار أن يقتحم مشاكلَ شعبِه "بالإيمان موسى لَمَّا كبُر أبَى أن يُدْعَى إبن إبنة فرعون, مُفَضِّلاً بالأحرى أن يُذلََّ مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية, حاسباً عار المسيح غنىً أعظم من خزائن مصر لأنه كان ينظر الى المجازاة" (عب11: 24-26).
كما لم يكن تفكير موسى فى إتجاه آخر كان متوقعاً له وهو أن الله اختار له أن يكون أميراً فرعونياً مرشحاً للعرش, ربما ليستخدمه الله فى موقع كهذا لأجل شعبه.
لقد حاول موسى أن يبدأ دوره مبكراً قبل الموعد الذى وضعه الله ضِمْن خِطَته, فكانت النتيجة اضطراباً وأخطاءً كلَّفَت صاحبها الكثير, فنجد فىالأصحاح الثانى من الخروج حادثة قتل المصرى الذى ضرب العبرى وما تبعها من انتشار الخبر ووصوله الى فرعون. وقد كان ما فعله موسى بالتأكيد إستفزازاً شديداً للمصريين؛ فكيف لهذا العبرانى أن يقتل مواطناً مصرياً؟ ألا يخشى فرعون البلاد ونظام حكمه؟.
ثم كيف يتجرأ ويقوم بدفنه فى الرمال؟ متجاهلاً مايجب تقديمه للجثمان من المراسم اللائقة من التحنيط والدفن بالطريقة التى تحفظه حتى تتمكن روحه من العودة اليه عند بعثها, حسب عقيدة المصريين الذين يؤمنون بخلود الروح " كا " وبعثها الى الجسد.
إِنْطَوَت الواقعة على عدة نقاط مهمة نستخلص منها ما يلى :-
أن موسى لم يكن قد حَصُلَ بعد على تأشيرة بدء العمل من الله ولكن مشاعره الشخصية هى فقط التى تحركت, فلم يحصد سوى الضَعْف الذى يظهر فى غياب المِسْحة الإلهية. وهنا نلاحظ أن الوحى المقدس ينفى الخوف عن موسى ويؤكد أنه ترك مصر بالإيمان؛ "بالايمان ترك مصر غير خائف من غضب الملك لانه تشدد كأنه يرى من لا يرى" (عب 11 : 27).
إتَّصَفت شخصيةَ موسى بشهامة ونخوة واضحتين ومُتَأَصِّلَتَيْن جعلتاه يبادر بفعل أى شئ لأجل ابن جنسه إذ رآه مقهوراً من المصرى الذى كان يضربه. وتعود هذه الشهامة للظهور عند البئر فى أرض مديان مع بنات رعوئيل كاهن مديان (خر2 : 17).
العبرانى الذى كان موسى يدافع عنه هو الذى أذاع خبر قتل موسى للمصرى ودفنه؛ حيث لم يكن أحداً خلاف هؤلاء الثلاثة فى المشهد عندما تَلَفَّت موسى حوله "فالتفت إلى هنا وهناك ورأى أن ليس أحدٌ فقتل المِصري وطمره في الرمل" (خر 2: 12).
قد تكون دوافع إذاعة الأمر بين العبرانيين ناشئة من الإعجاب بل إنبهار الضعفاء المقهورين من وجود من ينفض غبار الذلِّ عن هاماتِهِم من بنى جِنسهم. لكنهم فى هذه الحالة تسببوا فىالإضرار بموسى الذى لم يكن يريد لهم إلاََّ خيراً.
لم يكن العبرانيون مستعدين لقبول وجود زعيم يرعى أمورهم وقائد ينقذهم من المصريين ويحررهم من العبودية: "من جعلك رئيساً وقاضياً علينا"(خر 2 : 14), "فظن ان اخوته يفهمون ان الله على يده يعطيهم نجاة وأما هم فلم يفهموا"(اع 7: 25). "فالذي كان يظلم قريبه دفعه قائلاً من أقامك رئيساً وقاضياً علينا" (اع 7: 27).
يتضح الخلل النفسى الإجتماعى "Psycho social deviation" الذى كان لدى العبرانيين كفئة مضطهدة مُهَمَّشَة تَطَبَّعَت بطبائع الخُنُوع والإستكانة للقهر, وعدم فهم إشارات التحرر, وتبدو المأساة واضحة في كلمات استفانوس عندما روى القصة أمام رئيس الكهنة وجمهور المجمع فى سفر الأعمال : "فظن أن اخوته يفهمون أن الله على يديه يعطيهم نجاة, أما هم فلم يفهموا" (أع 7: 25).
يتضح هذا الخلل أيضاً- كما سبق- فى تداول العبرانيين لخبر قتل موسى للمصرى ودفنه, حيث اِنتَشَرَ الخبر بسرعة بين اليوم وغَدِهِ بالصورة المَرَضِيَّة لإنتشار الشائعات بالمجتمع المُتخلِّف المُهَمَّش.
لم يكن فرعون ذلك الوقت ودوداً ولا متَفَهِّماً مع موسى, فهو مثلاً لم ينتظر لإستدعاء موسى لسؤاله أو التَحَقُّق مما حدث, فقط أمر بقتله, فلا بد أن فرعون الكبير جد موسى بالتبنى قد توفى, وجاء أحد الأمراء مثلاً إلى الحُكْم, وربما كان ذاك من نفس الأسرة وله بعض الضغينة تجاه موسى, أو حتى بعض المنافسة فى أمرٍ ما خلال الصِّبَا والشباب مع موسى الذى لم يكن أصله كعبرانى مجهولاً, وها هى ذى الفرصة لتصفية الحسابات وللتخلص منه, ولا بد أن عامل إنتشار خبر قتل موسى لأحد المصريين كان مستفزاً أكثر لفرعون.
هكذا نجد الأمور غير مواتية للدور الذى أراده موسى مع شعبه؛ والشعب لم يكن مستعداً ولا متجاوباً معه, لكن الأهم من كل هذا أن موسى لم يحصُل بعد على التأشيرة اللازمة لبدء المهمة, وهى المِسْحَة من الله يهوه واللازمة لإنجاح المهمة.
مرة أخرى لا بد أن يمر موسى بمرحلة ثانية من الإعداد, فعليه أن يلتحق فوراً بالبَرِّيَّة حتى يكتمل إعداده للعمل الكبير الذى ينتظره, وبعدها سيحصل على المِسْحة المطلوبة للنجاح, عندما يتلقى أمر العمل من يهوه شخصياً إله آبائه له كل المجد.
الهروب الى مديان :-
عندما وجد موسى نفسه مطلوباً للقتل من قِبَل فرعون بسبب قتله أحد المصريين كان عليه أن يهرب بعيداً عن طائلة فرعون, فهرب الى مديان.
أقام موسى في مديان[23] أربعين سنة, وهي بلاد تتخذ اسمها من مديان، أحد أبناء إبراهيممنزوجتهقطورة،التيتزوجهابعدموتزوجتهسارة.
تقع مديان شرق خليج العقبة, شمال غرب الجزيرة العربية.
كانرئيسكهنةمديانيُدعَىرعوئيل،وأيضاًيثرون. ولم يذكر الوحى المقدس الكثير عن هذا الرجل ولا تتضح بالضبط طبيعة الكهنوت الذى كان له, ولأى الآلهة يقوم بهذا الكهنوت, وما هى عبادة مديان فى ذلك الوقت. الاَّ أن معنى الكلمة "رعوئيل" والمقطع الثانى منها "ئيل" والذى يعنى "الله" يعكس معرفة شعب مديان بالله وعبادته, وإن كان ما ذُكِرَ فى(خر18: 1-12) يوضح بدء إيمان يثرون بالله: "الآن علمت".
معنى اسم رعوئيل "صديق الله" أو "الله صديق".
بينما معنىاسميثرون"صاحبسعادة"،ويُحتَمَل أن يكونهذالقبهوليس اسماً له, وقد كان الرجل كبيراً فى القوم أميراً لهم, وكانت قبيلته[24] عربية الأصول.
ويذكر الدكتور جَوَّادعلى الباحث فى التاريخ القديم للعرب فىالفصل العاشر من كتابه: (المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام) تحت عنوان: (أثر التوراة) أنه لورود اسم "مَدْيَن" وقصة "شُعَيْب" في القرآن[25]؛ عَنِيَ المفسرون وأصحاب قصص الأنبياء بجمع ما ورد عن أهل مَدْيَن وعن شُعَيْب من أخبار، غير أنهم لم يجدوا في ذاكرة من تَقَدَّمَهُم شيئاً، فاستعانوا بما ورد عند اليهود. وقد نسب الأخباريون شعيب إلى ابراهيم: "شعيب بن نويت بن رعويل بن مر بن عنقاء بن مدين ابن إبراهيم". وقد ذكر الطبري- يقول جَوَّاد على- وغيره من المفسرين والمؤرخين أن اسم "شعيب" هو: "يثرون" أو "يثرو", وعلى ذلك فقد رأى المفسرون والأخباريون أن شعيباً المذكور في القرآن هو "يثرون" المذكور فى التوراة والذى استضاف موسى وصاهره.
كان لرعوئيل سبعة بنات كانت إحداهن "صفورة" التى تزوجها موسى, ومعنى اسمها "عصفورة".
ويخبرنا (خر2: 16-21) عن عودة الشهامة مرة أخرى إلى موسى- وهى التى كانت سبباً لهروبه الذى هو فيه الآن- لمساعدة البنات بطرده الرعاة المتطفلين الذين ضايقوهن وسقى لهن الغنم, ثم دعوة الكاهن لموسى للنزول عنده بعدما علم بما فعله لنجدة بناته, وموافقة موسى البسيط المتواضع على الإقامة لدى الرجل الكريم وما تبع ذلك من زواج موسى بصفورة, وقد أعطاهاللهابنين،هما"جرشوم"و"أليعازر" اللذان عكس اسماهما شعور موسى وإيمانه.وظلموسىيرعىقطعانحميه وقتَ إقامَتِه فى مديان.
وقد أورد الكتاب المقدس اكثر من اسم لهذا الرجل : فهو رعوئيل المدياني (عد 10 : 29)، وأبو "حوباب القيني" الذي يقال عنه أيضا إنه حمو موسى (قض4 : 11). ويسمى حمو موسى "رعوئيل" في سفر الخروج (خر2 : 18) ، بينما نقرأ في مواضع أخرى أن حما موسى هو "يثرون" (خر3 : 1 ، 4 : 18 ، 18 : 1 – 12 ). وقد أوجد هذا التشابك بعض الإضطراب.
ويَفْتَرِض البعض لتوضيح[26] هذا التشابك فى الأسماء أنّه إمَّا أنَّ: -
· الأسماء الثلاثة {رعوئيل ويثرون وحوباب} هي أسماء لرجلٍ واحد - لكن يتنافي هذا مع ما جاء في سفر العدد (10 : 29 ) من أن حوباب هو ابن رعوئيل.
· أو : كان رعوئيل حما موسى، أما يثرون وحوباب، فكانا صهرين له.
· أو : إما أن رعوئيل كان اسما آخر ليثرون، أو أن حوباب كان اسما آخر ليثرون.
· أو : كان رعوئيل أباً لحوباب ويثرون، وأن يثرون كان حما موسي، وأن كلمة "أبيهن" في (خر 2 : 18) تعني "جَدَّهُن" - وهو أمر كثير الورود في الكتاب المقدس, مما يرجح هذا الإفتراض.
بقى موسى فى مديان مدة الأربعين سنة المعروفة, وهى القسم الثانى من أقسام حياته الثلاثة, ولايذكر الوحى المقدس عنها الكثير بما يُوَضِّح كيف كانت أحداث حياة موسى, وما الذى أضافته هذه الفترة لشخصية موسى, وهل كان متابعاً لأحوال شعبِهِ فى مصر أم لا, وكيف كانت علاقته بالله (باستثناء إسمى ولديه اللذين كشفا عن حالٍ إيمانية جيدة), هل شارك المديانيين فى عبادة الله وهل كانوا فعلاً على معرفة حقيقية بالله؟.
كل ما نعرفه أنه أمضى أربعين سنة فى مديان, وقد صمت الوحى المقدس عن التفاصيل. لكننا نستطيع استنتاج أن موسى لم يترك إله آبائه, فلم يَسْعَ وراء آلهة أخرى مع قبائل الأرض التى لم تكن تعرف الرب. كما أنه أطلق أسماءً على ابنيهِ تدل على تمسكه بإله آبائه, وإيمانه بأنه فى غربةٍ ستنتهى بأرضٍ إختارها الله, هى الأفضل من هذه الحاضرة.
. كان لدى موسى رجاء .
الأصل العربى للمديانيين:-
المديانيون هم نسل ابراهيم من قطورة, ويرى الباحثون أنهم كانوا قبلاً فى أرض الحجاز ثم نزحوا الى شمال الجزيرة العربية إلى ما عُرِفَ بأرض "مِدْيَن" قبل القرن الحادى عشر قبل الميلاد. ويذكر الدكتور جواد على فى كتابه (المُفَصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام)[27] أنهم شاركوا فى غزوات ضد العبرانيين فى النصف الأول من القرن الحادى عشر قبل الميلاد. وقد تنوعت مواقف المديانيين نحو العبرانيين عبر التاريخ بين الصداقة والعداء.
عائلة القينى المديانيون العرب يختلطون بشعب الله:-
صاهر موسى المديانيين, كما تقدم؛ فتزوج ابنة الكاهن رعوئيل. ويذكر سفر العدد عرض موسى على "حوباب القينى" بالإنضمام لشعب موسى: "وقال موسى لحوباب بن رعوئيل المدياني حمي موسى اننا راحلون الى المكان الذي قال الرب اعطيكم اياه اذهب معنا فنحسن اليك لان الرب قد تكلم عن اسرائيل بالاحسان, فقال له لا اذهب بل الى ارضي و الى عشيرتي امضي, فقال لا تتركنا لانه بما انك تعرف منازلنا في البرية تكون لنا كعيون, و ان ذهبت معنا فبنفس الاحسان الذي يحسن الرب الينا نحسن نحن اليك"(عد10: 29-32).
وقد عُرِفَت بعد ذلك عائلة حوباب ب"عائلة القينى", وكلمة القينى تعنى "الحداد" الذى يعمل فى صناعة المعادن, ويبدو أن عائلة القينى كانت تعمل فى مناجم النحاس بسيناء والتى تُعرف الآن باسم "سرابيت الخادم"[28].
وقد اندمجت عائلة "حوباب القينى" بشعب الرب ونالت من احسان الرب؛ وكان لإسرائيل علاقة طيبة معهم بامتداد ذلك التاريخ؛ حسبما ورد فى نصوص الوحى المقدس:-
- "ثم رأى القيني فنطق بمثله و قال ليكن مسكنك متينا و عشك موضوعا في صخرة" (عد24: 21).
- "و بنو القيني حمي موسى صعدوا من مدينة النخل مع بني يهوذا الى برية يهوذا التي في جنوبي عراد و ذهبوا و سكنوا مع الشعب" (قض1: 16).
- "ودعا باراق زبولون ونفتالي إلى قادش وصعد ومعه عشرة الاف رجل وصعدت دبورة معه, وحابر القيني انفرد من قاين من بني حوباب حمي موسى وخيم حتى الى بلوطة في صعنايم التي عند قادش" (قض4: 10, 11).
- وسيسرا الذى قتلته ياعيل امراة حابر القيني؛ ضربت الوتد في صدغه فنفذ الى الأرض و هو متثقل في النوم و متعب فمات (قض4: 17-22).
- "وقال شاول للقينيين اذهبوا حيدوا انزلوا من وسط العمالقة لئلا اهلككم معهم و انتم قد فعلتم معروفا مع جميع بني اسرائيل عند صعودهم من مصر فحاد القيني من وسط عماليق" (1صم15: 6).
كما ارتبط القينيون "بكالب بنِ يَفُنَّة" الرجل الذى كان أحد اثنين دخلا أرض كنعان من كل الجيل الذى خرج من مصر.
خرج أيضاً من القينيين "الركابيون" وهم مديانيون عرب إتصفوا بصفات أرضت الله ووعد أن لا ينقطع من نسلهم من يعبد الله؛ كما أورد ذلك "إرميا النبى" فى أصحاح 35 : "فقالوا لا نشرب خمرا لأنَّ يُونَادَاب بن ركاب أبانا أوصانا قائلا لا تشربوا خمراً أنتم ولا بنوكم إلى الأبد ... اسكنوا في الخيام كلَّ ايامكم لكي تحيوا اياماً كثيرةً على وجه الأرض التي أنتم متغربون فيها" (ار 35: 6, 7). وهكذا قال رب الجنود اله اسرائيل: لا ينقطع ليوناداب بن ركاب إنسان يقف أمامي كل الأيام (ار35: 12-19).
وتذكر بعض مصادر التاريخ العربى القديم دخول بعض الأفراد والجماعات من قدماء العرب فى الشعب العبرى ومشاركتهم فى عبادة اله العبرانيين[29] والعيش والإندماج بالعبرانيين.
كما سجل الكتاب المقدس إنضمام الكثيرين ممن ينتمون قومياً لغير شعب اسرائيل, إلى شعب الرب المقدس, وكان منهم القبائل والعائلات الصغيرة والأفراد, كما كان " الحورونيون" من المنضمين للشعب العبرى وقد كانوا من أصول غير سامية[30], والذين كان منهم "سنبلط الحورونى" الذى ورد اسمه فى(نح2: 19). وكان موطن الحورانيين الأصلى جبال الكُرْد شمال العراق (كردستان العراق حالياً).
الفصل الثالث
الدعوة وبدء العمل
***
النار فى العليقة ودعوة الله لموسى:-
استخدماللهرغبةموسىفيمساعدةالآخرينفأرسلهليخلصشعبه؛ فبينما كان موسى يرعى غنم يثرون حميه ظهر له ملاك الرب فى صورة نار فى العليقة كما نقرأ عن ذلك فى الأصحاح الثالث من سفر الخروج. وقد عرَّفَه الله باسمه وبأنه إله آبائه: "فقال اللهُ لموسى أهيه الذي أهيه وقال هكذا تقول لبني إسرائيل أهيه أرسلني اليكم, و قال الله ايضا لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل يهوه اله ابائكم اله ابراهيم و اله اسحق و اله يعقوب ارسلني اليكم هذا اسمي الى الابد و هذا ذكري الى دور فدور" (خر 3: 14, 15).
لقد دعى اللهُ موسى ليذهب إلى فرعون ليكلِّمَه ليطلق الشعب كى يعبدوا إلهَهُم إله آبائهم ويتوجهوا إلى الأرض التى إختارها الله لهم ووعد آبائَهم بها ابراهيم واسحق ويعقوب.
الآن حان الوقت لبدء العمل
ألم يرغب موسى فى القيام بدور القيادة لخلاص شعبه قبل أربعين سنة؟.
ألم يندفع ليدافع عن أخيه العبرانى وقَتَلَ المصرى الذى كان يَضْرِبْهُ؟.
المفاجأة؛ موسى لم يتحمَّس للدعوة بل حاول التَمَلُّص والهُرُوب منها, واعتذرعن القيام بها, بل قدم خمسة إعتذارات الواحد تلو الآخر:-
- قالاللهلموسى:"هَلُمَّفَأُرْسِلُكَإِلَىفِرْعَوْنَوَتُخْرِجُشَعْبِيبَنِيإِسْرَائِيلَمِنْمِصْرَ"فجاءاعتذارموسىالأول: "مَنْأَنَاحَتَّىأَذْهَبَإِلَىفِرْعَوْنَ؟". فقال الله له: "إِنِّيأَكُونُمَعَكَ". (خر3: 10 –12 ).
- وعادموسىيعتذرمنجديد،قال: "هَاأَنَاآتِيإِلَىبَنِيإِسْرَائِيلَوَأَقُولُلَهُمْإِلهُآبَائِكُمْأَرْسَلَنِيإِلَيْكُمْ, فَإِذَاقَالُوالِيمَااسْمُهُفَمَاذَاأَقُولُلَهُمْ, فَقَالَاللّهُلِمُوسَى أَهْيَهِالَّذِيأَهْيَهْ, وَقَالَ هكَذَاتَقُولُلِبَنِيإِسْرَائِيلَأَهْيَهْأَرْسَلَنِيإِلَيْكُمْ (خر3 : 13 ,14(. و{أهيه}اسمعبريمعناه"الكائن".
ويعبِّرهذاالإسمعن "سرمدية الله" أىأزليةوأبديةاللهووجوبوجوده. إنّاللههوالموجودبذاتهلابدايةله،غيرمخلوق، أزلىأبدي.
- ولكنموسىعاديعتذرمرةًثالثةًوقال: "هاهملايُصَدِّقُوننيولايَسْمَعُونلقَوْلي، بليَقُولُونلميَظْهرلكالرَّبُّ " (خروج4 : 1).فأعطىاللهلموسىثلاثمعجزاتيؤديها خر4: 2-9 )،ليُقنعالشعبأنهمرسلمنعندالله:-
المعجزةالأولى:-أنعصاموسىتتحولإلىحية,وماأنطرحموسىعصاهعلىالأرضحتىصارتحية،فهربموسىمنها. ثمقالالربلموسى: "مُدَّيدكوأمسكذنبها"فمديدهوأمسكبذنبهافصارتعصافييدهمنجديد : (خر 4: 2-4 ).
المعجزة الثانية:- قالاللهلموسى: "أدخليدكفيعبك" ؛فأدخلهاثمأخرجها، وإذيدهبرصاء . فقالالله: "رُدَّيدكإلىعبِّك"وعندمافعلذلكعادتيدهسليمةصحيحة, وقالاللهلموسى: إذالميصدقوكبسببالمعجزةالأولىوهيتحويلالعصاإلىحية،فإنهمسيصدقونكبسببالمعجزةالثانية, "فيكون اذا لم يصدقوك و لم يسمعوا لصوت الآية الأولى أنهم يصدقون صوت الآية الأخيرة " (خر 4: .
المعجزة الثالثة:- قالاللهلموسى: إذالميصدقواالمعجزتين،تأخذمنماءنهرالنيلوتسكبعلىالأرض،فيصيرالماءالذيتأخذهمنالنهردماًعلىالأرض: (خر4 :9).
- ثم عاد يعتذرلمرةٍرابعةٍوقالللرب: "اسْتَمِعْأَيُّهَاالسَّيِّدُ،لَسْتُأَنَاصاحبَكَلامٍمُنْذُأَمْسِولاأَوَّلِمنأَمْسِ،وَلامنحينِكَلَّمْتَعَبْدَكَ، بلأَناثقيلُالفمِواللِّسان" )خر4 :10 ).
- وعاد موسى يعتذر أيضا لخامس مَرَّةً:"فقالاستَمِع أيُّهَاالسَيِّدأرْسِلبيَدِمَنتُرْسِل" (خر 4: 13), وبذلكيطلب موسىمناللهأنيُرسِلشخصاًآخر. وهناغضباللهعلىموسىوقاللهإنَّأخاههارون سيتكلم فهوأكثرفصاحةًمنهُ وسيخاطب فرعون،وسَوفيقفهارونبجانبموسى ليكونَ كنَبِىٍّ أمام فرعون.
أخيراً وافق موسى على القيام بالمهمة.
ذهب مع هارون إلى فرعون ليكلماه أن يطلق الشعب ليذهب إلى البرية لعبادة الله وتقديم الذبائح له.
بدء مهمة موسى مع فرعون:-
يشرح الأصحاح الخامس من سفر الخروج كيف أن فِرْعَون لم يكن يعرف من هو هذا الإله الذى يتحدث عنه موسى فهو لم يسْمع عنه من قبل, حيث لم يكن الشعب العبرى المقهور يُظْهِر أى مظاهر عبادة لهذا الإله من قبل, بل ربما كان يخشى هذا الشعب مجرد ذكر أى شئ عن إله غير آلهة المصريين.
لميعرففرعوناسم يهوه ربالسماءوالأرض،وظنأنالعبرانيينينتحلونعذراًليتهرَّبوامنالعمل. وأمرفرعونموسىوهارونأنيستمرافيعملهماكمايستمرالشعبفيعملهكذلك, ونتيجةلطلبموسىوهارونهذا،زادفرعونمنإرهاقبنيإسرائيل,فبينماكانعلىكلواحدأنيصنععدداًمعيّناًمنالطوبكليوم،أصبحلزاماًعليهمأنيجمعواالتبنويصنعوانفسكَمِّيةالطوب, وبدأرؤساءالتسخيريهينونبنيإسرائيل.
عندماذهبقادةبنيإسرائيلإلىالفرعونيحتَجُّونَعلىالعذابالذييُسَامونَهُقاللهمفرعون:متكاسلونأنتم،لذلكتقولوننذهبونذبحللرب.وعندماخرجرؤساءبنيإسرائيلمنأمامالفرعونالتقوابموسىوهارون،ووجَّهوالهمااللوم الشديدلأنهماتسبّبافيالضِّيقِالزائدالَّذيحلَّبِهم،وقالوا: أعطيتمافرعونسيفاًليقتلنا, فتضَايقموسىواحْتَجَّعلىاللهلأنَّهأرْسَلهلهذاالشَّعب، فبدلَأنيأذَنَفرعونللشعببالذهاب، أثقَلَعليهِمالأحْمَال ) خروج5(.
قالاللهلموسى: "الآنتنظرماأناأفعلبفرعَونَ فإنَّهبيدٍقويَّةٍيطلقهموبيدٍقويَّةٍيطردهممنأَرضه.ثمَّقالاللّهلموسى أناالرَّبُّ وأناظهرْتُلإِبرَاهيمَوإسحاقَويعقوبَبأنِّيالإلهالقادرعلىكلِّشيْءٍ,وأمَّاباسمييهْوهفلمأُعْرَفْعندَهم, وأيضاًأَقمتُمعهمعهديأَنأُعطيَهمأَرضَكنعانَأَرضَغُربتهِمالَّتيتغرَّبُوافيها وأناأَيضاًقدسَمِعْتُأَنِينَبَنِيإِسْرَائِيلَالَّذِينَيَسْتَعْبِدُهُمُالْمِصْرِيُّونَ، وَتَذَكَّرْتُعَهْدِيلِذلِكَقُلْلِبَنِيإِسْرَائِيلَ أَنَاالرَّبّوَأَنَاأُخْرِجُكُمْمِنْتَحْتِأَثْقَالِالْمِصْرِيِّينَ, وَأُنْقِذُكُمْمنعُبُودِيَّتِهِم وَأُخَلِّصُكُمبذراعٍممْدُودةٍوبأَحكامٍعظيمةٍ،وأَتَّخذُكُمْليشعباًوأَكونُلكمإلهاً فتعلمونَأَنِّيأَناالرَّبُّإِلهُكُم") خروج 6: 1-7).
الضربات العشر :-
عندما رفضَ فرعون إطلاق الشعب ليعْبُدُوا يهْوَة, وأَبْدَى اسْتِغْرَابَه لسماعِه لأوَّلِ مرَّة عن هذا الإِلَه, قرر الرَّبُّ مواجَهَة فرعون, والآلهة الحيوانات والتماثيل الصمَّاء التى يعبُدُها المِصْريّون. فبدأ الرب فى معاقبة فرعون بالضربات العشر التى توالت على مصر لإعلان ذراع الرب القدير إله الآلهة:-
1. الضربةالأولى: (خر7: 19- 22).كانتتحويلماءالنهرإلىدم،فلميجدالمصريونماءليشربوا, وكانأنهحينمدَّموسىعصاهإلىالنيلوسواقيمصرتحولتجميعهاإلىدم،بمافيذلكالمياهالتياختزنوهافيالجرار.واستمرالحالهكذامدةسبعةأيام. علىأنسحرةفرعوناستطاعواأنيفعلواالشيءنفسه، فتقسىقلبفرعونورفضأنيطلقالشعب. واضطرالمصريونأنيحفرواحولالنهرليجدواماءليشربوا،لأنهملميستطيعواأنيشربوامنماءالنيل.
2. الضربة الثانية: (خر8: 1- 15). ثمأمراللهموسىأنيذهبإلىفرعونمنجديدليضربالبلادبالضفادع،فقاللفرعونإنالنيلسيفيضبالضفادعحتىأنهاتدخلقصرفرعوننفسه،إلىفراشهوعلىسريره.وفعلسحرةمصرالشيءنفسه.ولكنفرعونطلبمنموسىوهارونأنيصلياليرفعاللهالضفادععنه،ووعدهمابأنهإذااستجاباللهلهمافإنهسيخرجالشعبليذبحواللرب. وصلىموسىوهارون،وارتفعتالضفادع،ولكنفرعونلميحققوعده.
3. الضربة الثالثة: (خر8: 16-19). ثمضرباللهأرضمصربالبعوض, مدَّهارونعصاهوضربترابالأرض،فخرجالبعوضعلىالناسوالبهائم،وقالالسحرةلفرعون هذَاإِصْبِعُاللّهِ.
4. الضربة الرابعة: )خر8 : 21- 32). وهيضربةالذباب،فامتلأتبيوتالمصريينمنه. وميَّزاللهمرةأخرىبينأرضجاسانحيثيسكنبنوإسرائيلوبينبقيةالبلاد. وقالاللهلفرعون: لكيتعلمأنيأناالربفيالأرض. وبعدضربةالذبابقالفرعونلموسىوهارون: اذهبوااذبحوالإلهكمفيهذهالأرض,فقالموسى: لايصلحأننفعلهكذا, عليناأننسافرللصحراءلنصليفقالفرعون: أناأطلقكملكيتذبحواللربإلهكمفيالبرية، لكنلاتذهبوابعيداً, صليالأجلي, ورفعموسىوهارونصلاتهماإلىالله،فارتفعالذبابعنالبلاد،ولكنفرعونلميحققوعده.
5. الضربة الخامسة: (خر9: 6 ,7). ضرببالوبأمواشيفرعون. ولميصبالوبأمواشيبنيإسرائيل. فماتتجميعمواشيالمصريين،أمامواشيبنيإسرائيلفلميمتمنهاواحد.
6. الضربة السادسة: (خر9: 10-12 ). ضربةالدماملوالبثورالتيظهرتعلىكلأرضمصر. ولميستطعسحرةفرعونأنيقفواأمامموسىمنأجلالدماملالتيأصابتهم،لأنالدماملكانتفيالسحرةكماكانتفيكلالمصريين . ولكنفرعونلميسمع.
7. الضربة السابعة: (خر9: 22-27 ,33-35). ضربةالبَرَدالعظيم،الذيلميكنمثلهفيمصرمنذيومتأسيسها،فكانبَرَدمتواصلأهلككلمافيالحقلمنناسوبهائم،ودمرعشبالحقلوكسرجميعشجرالحقل،إلاأنأرضجاسانحيثكانبنوإسرائيللميكنفيهابرد. وطلبفرعونمنموسىوهارونأنيتوسَّطالهلدىالرب.وفعلموسىهكذا.وعندماارتفعالبردوالرعودعادفرعونيتقسى، فلميطلقبنيإسرائيل(خر9: 34 ,35 ).
8. الضربة الثامنة: (خر10: 12-20 ) . وهى ضربة الجراد, حيث حملت الريح أعداداً كثيفة من الجراد غطت وجه الأرض.
9. الضربة التاسعة: (خر10: 21-23 ) . وهى ضربة الظلام, حيث بقى الظلام على كل مصر مدة ثلاثة أيام, أوقف كل مظاهر الحياة فى مصر, لكن مساكن بنى اسرائيل كان لها نور.
10. الضربة الكبرى: (خر12: 29-36) ضربة الأبكار؛ بعد كل ما سبق ظل قلب فرعون متشدداً, ثم أهلكملاكالربالابنالبكرفيكلبيتمنبيوتالمصريين, وعندماحدثهذا،أمرفرعونبنيإسرائيلأنيخرجوامنمصر؛ فطردهمواستعجلهمللسفر.
فأرى الدم وأعبر عنكم :-
علامة الدم على بيوت شعب الله, على العتبة العليا والقائمتين كانت حصناً للحماية, فبالرغممنموتالأبكارفيكلبيوتالمصريين،إلاأنأبكاربنيإسرائيلعاشوا، ولم يمسسهم سوء.
ولم يكن الملاك المهلك غير قادر على تمييز بيوت العبرانيين من غيرها حتى يستعين بعلامة الدم, ولكنها الرمزية لعمل الفداء وقوة دم يسوع المصلوب للحماية.
وما أطيَبَ هذا الجُزْء من كلمة الله, والذى يسجل رموز لمعانى الخلاص العظيم, والذى يخبرنا كيف صَنَع اللهُ الفِصْحَ, ونَسْتَعِيرُهُ نَصَّاً من كلمةِ الله فى سفرِ الخُرُوج أصحاح 12؛ إذقالاللهلموسىوهارون: -
" كَلِّمَاكُلَّجَمَاعَةِإِسْرَائِيلَقَائِلَيْنِ،فِيالْعَاشِرِمِنْهذَاالشَّهْرِيَأْخُذُونَلَهُمْكُلُّوَاحِدٍشَاةًبِحَسَبِبُيُوتِالآبَاءِ,شَاةًلِلْبَيْتِ,وَإِنْكَانَالْبَيْتُصَغِيراًعَنْأَنْيَكُونَكُفْواًلِشَاةٍ،يَأْخُذُهُوَوَجَارُهُالْقَرِيبُمِنْبَيْتِهِبِحَسَبِعَدَدِالنُّفُوسِ,كُلُّوَاحِدٍعَلَىحَسَبِأَكْلِهِتَحْسِبُونَلِلشَّاةِ, تَكُونُلَكُمْشَاةًصَحِيحَةًذَكَراًابْنَسَنَةٍ،تَأْخُذُونَهُمِنَالْخِرْفَانِأَوْمِنَالْمَوَاعِز,وَيَكُونُعِنْدَكُمْتَحْتَالْحِفْظِإِلَىالْيَوْمِالرَّابِعَعَشَرَمِنْهذَاالشَّهْرِ, ثُمَّيَذْبَحُهُكُلُّجُمْهُورِجَمَاعَةِإِسْرَائِيلَفِيالْعَشِيَّةِ, وَيَأْخُذُونَمِنَالدَّمِوَيَجْعَلُونَهُعَلَىالْقَائِمَتَيْنِوَالْعَتَبَةِالْعُلْيَافِيالْبُيُوتِالَّتِييَأْكُلُونَهُفِيهَا, وَيَأْكُلُونَاللَّحْمَتِلْكَاللَّيْلَةَمَشْوِيّاًبِالنَّارِمَعَفَطِيرٍ, عَلَىأَعْشَابٍمُرَّةٍيَأْكُلُونَهُ, لاتَأْكُلُوامِنْهُنَيْئاًأَوْطَبِيخاًمَطْبُوخاًبِالْمَاءِ،بَلْمَشْوِيّاًبِالنَّارِ,رَأْسَهُمَعَأَكَارِعِهِوَجَوْفِهِ, وَلاتُبْقُوامِنْهُإِلَىالصَّبَاحِ, وَالْبَاقِيمِنْهُإِلَىالصَّبَاحِتُحْرِقُونَهُبِالنَّارِ, وَهكَذَاتَأْكُلُونَهُأَحْقَاؤُكُمْمَشْدُودَةٌ،وَأَحْذِيَتُكُمْفِيأَرْجُلِكُمْ،وَعِصِيُّكُمْفِيأَيْدِيكُمْ. وَتَأْكُلُونَهُبِعَجَلَةٍ, هُوَفِصْحٌلِلرَّبِّ " .
ثمقالالله : " فَإِنِّيأَجْتَازُفِيأَرْضِمِصْرَهذِهِاللَّيْلَةَ،وَأَضْرِبُكُلَّبِكْرٍفِيأَرْضِمِصْرَمِنَالنَّاسِوَالْبَهَائِمِ,وَأَصْنَعُأَحْكَاماًبِكُلِّآلِهَةِالْمِصْرِيِّينَ,أَنَاالرَّبُّ, وَيَكُونُلَكُمُالدَّمُعَلامَةًعَلَىالْبُيُوتِالَّتِيأَنْتُمْفِيهَا،فَأَرَىالدَّمَوَأَعْبُرُعَنْكُمْ،فَلايَكُونُعَلَيْكُمْضَرْبَةٌلِلْهَلاكِحِينَأَضْرِبُأَرْضَمِصْرَ, وَيَكُونُلَكُمْهذَاالْيَوْمُتَذْكَاراًفَتُعَيِّدُونَهُعِيداًلِلرَّبِّ,فِيأَجْيَالِكُمْتُعَيِّدُونَهُفَرِيضَةًأَبَدِيَّةً " .
وعلى ماتتضمنه قصة الخروج روحيَّاً من معانى الخلاص, وما تحمله من رموز عميقة للخروج من العبودية والخلاص بذراع الرب القوية وليس غيرها, إلاَّ أنها تُعْتَبَر عرضاً ضمنياً لكفاءة موسى القائد الذى كان يتسلَّم التعليمات أولاً بأول والذى تولى تنفيذ التحركات على طريق الخروج ثم عبور البحر إلى الجهة الأخرى فى عمل إلهى معجزى رائع, واستكمال الرحلة فى البرية, وهو الذى أعده الله سابقاً لهذا اليوم ولهذه المهمة. أليس الله هو الذى دبَّرَ ورتَّبَ كل هذا؟ وهو الذى أعد موسى لهذا الدور؟ فجاء القائد كأفضل ما يكون. لقد قام الرب بكل شئ؛ أدار الأحداث, وأعد الأشخاص, ورتَّبَ لشعبه الرعاية والحماية والطعام أيضاً.
ما أروعك يا الله, لك كل المجد .
الفصل الرابع
الخروج
***
الخروج من مصر العبودية:-
عندماماتأبكارالمصريينأمرفرعونبنيإسرائيلأنيخرجوامنمصرفوراً،فخرجوابسرعة, وماإنأشرقتشمسالصباححتىكانالرجاليسيرونفيخمسةصفوف، تتبعهمزوجاتهموأولادهمومتاعهمومواشيهم. وكانعددبنى إسرائيل عند الخروج بإستنتاج تقريبى[31]حوالىمليونين ونصف.
ولاشكأنموسىوهويقودكل هذا الشعب، كانيفتخرفخراًمقدساً، يمتزجبتواضععميق، بأناللهشرَّفهأنيستخدمهكآلةبيدهليتممخلاصاًعظيماًلشعبه.
بدأبنوإسرائيلرحلتهممن(سكوت)،وهيتبعدنحوعشرينكيلومتراًعن جاسان،وهناكاستراحوا.ثمابتدأوامنالمحطةالتاليةوهي(إيثام)،علىأطرافالصحراء،وليسبهاأثرلزرع,مجردرمال. "وَكَانَالرَّبُّيَسِيرُأَمَامَهُمْنَهَاراًفِيعَمُودِسَحَابٍلِيَهْدِيَهُمْفِيالطَّرِيقِ،وَلَيْلاًفِيعَمُودِنَارٍلِيُضِيءَلَهُم,لِكَيْيَمْشُوانَهَاراًوَلَيْلاً. لَمْيَبْرَحْعَمُودُالسَّحَابِنَهَاراًوَعَمُودُالنَّارِلَيْلاًمِنْأَمَامِالشَّعْبِ"(خر 13: 21-22). كانهناكعموديرشدهم،يظللهمفيالنهار، ويحميهمويبعدعنهمالحيواناتالمتوحشةفيالليل،ويقودهمبالليلوالنهارإلىالطريقالذى كان الله يسير بهم فيه.
"الَّذِينَيَنْقَادُونَبِرُوحِاللّهِفَأُولئِكَهُمْأَبْنَاءُاللّهِ" (رو8: 14).
قرر فرعون طرد بنى إسرائيل من البلاد بعد كل ما أصاب المصريين من جَرَّائِهِم, عاد فشعر بالندم فأخذستمائةمركبةمنتخبة،وسائرمركباتمصروجنوداًمركبية. فسعىالمصريونوراءبنيإسرائيلوأدركوهم.ولعلهكاناليومالخامسللخروجعندمارأىبنوإسرائيلالجيشالمصريالقويقادماًمنوراءالجبالنحوهم،منتظراًنورالصباحليهجمعليهم.فصرخبنوإسرائيليقولونلموسىفييأس: "هَلْلأَنَّهُلَيْسَتْقُبُورٌفِيمِصْرَأَخَذْتَنَالِنَمُوتَفِيالْبَرِّيَّةِ؟مَاذَاصَنَعْتَبِنَاحَتَّىأَخْرَجْتَنَامِنْمِصْرَ؟" (خر 14: 11)كانخيراًأننموتهناكمنأننموتهنا.لماذالمتتركناوشأننا؟أينهوإلهك؟ وهناوقفموسىيخاطبالله،وفيثقةكاملةيدعوهلينقذشعبهوليخلصهم.واستجاباللهله،ومنحهالإرشادفيمايجبأنيفعله, وطاعةلهذاالإرشادقالموسىللشعب:
لاتَخَافُوا.قِفُواوَانْظُرُواخَلاصَالرَّبِّالَّذِييَصْنَعُهُلَكُمُالْيَوْمَ. فَإِنَّهُكَمَارَأَيْتُمُالْمِصْرِيِّينَالْيَوْم َلا تَعُودُونَتَرُونَهُمْأَيْضاًإِلَىالأَبَدِ. الرَّبُّيُقَاتِلُعَنْكُمْوَأَنْتُمْتَصْمُتُون.(خر 14: 13 ,14).
فقالالربلموسى: مَالَكَتَصْرُخُإِلَيَّ؟قُلْلِبَنِيإِسْرَائِيلَأَنْيَرْحَلُوا.وَارْفَعْأَنْتَعَصَاكَوَمُدَّيَدَكَعَلَىالْبَحْرِوَشُقَّهُ، فَيَدْخُلَبَنُوإِسْرَائِيلَفِيوَسَطِالْبَحْرِعَلَىالْيَابِسَةِ.وَهَاأَنَاأُشَدِّدُقُلُوبَالْمِصْرِيِّينَحَتَّىيَدْخُلُواوَرَاءَهُمْ,فَأَتَمَجَّدُبِفِرْعَوْنَوَكُلِّجَيْشِهِ، بِمَرْكَبَاتِهِوَفُرْسَانِهِ. فَيَعْرِفُالْمِصْرِيُّونَأَنِّيأَنَاالرَّبُّحِينَأَتَمَجَّدُبِفِرْعَوْنَوَمَرْكَبَاتِهِ وفرسانه.(خر14: 15-17).
عصا مُتَمَيِّزة :-
زرع أحد الأشخاص يوماً ما شجرة بين أشجار عديدة فى سيناء فى منطقة كَثُرَ فيها العشب الصالح للرعى, وفى يوم جاء إلى المنطقة أحد الرعاة الذين كانوا يعملون فى رعاية أغنام رئيس كهنة مديان فى ذلك الوقت "رعوئيل المدعو يثرون". قام الراعى بقطع أحد فروع الشجرة, واستصلح منه عصاً لإستخدامها فى رعاية الأغنام, كان هذا الراعى هو "موسى" وكان وقتها فى الثمانين من عمره, وكان لِحَظِّ هذه العصا أن شَهِدَتْ بصحبة موسى الأحداث المجيدة التى أجراها الله لإنقاذ شعبه من العبودية.
لعبتعصاموسىأدواراًعظيمةفيمناسباتكثيرة.وكانتالعصافييدموسىعندماالتقىاللهبهوأمرهأنيطرحهاعلىالأرضلتتحولإلىحية. واستخدماللهعصاموسىفيكثيرمنالضرباتالتيحلتبأرضمصر،فهيالتيضربتالنهر،فتحوَّلالماءدماً. وهيالتيارتفعتإلىالسماءلتدعوالعاصفة،وضربموسىبهاترابالأرضفصاربعوضاًيلدغالمصريين،وهيالتياستخدمهافيمابعدلكَسْبِالحربضدعماليق،وهيالتياِسْتُخدِمَتلتفجّرينابيعمنالصخر. ولذلككانوايُسَمّونها "عَصَااللّهِ".
علىأنأعظمالمعجزاتالتيقامتبهاتلكالعصاكانتشقالبحرالأحمرعند عبور بنى اسرائيل البحر بينما يطاردهم جيش فرعون.
معجزة شق مياه البحر الأحمر[32]:-
تُعتَبَر معجزة عبور البحر الأحمر من أمجد الأعمال التى أجراها الله مع بنى اسرائيل, وليس من اليسير تصَوُّر كيف تمت وكيف بَدَت, أو كيف رآها الشعب المُطارَد والجيش المُطارِد له. كيف كانت الريح التى سرعان ما شقت المياه وجعلت منها أسواراً تحيط بممر على قاع البحر الذى لم يعُد طينياً ليناً بل أرضاً صلبة تتحمل مرور العدد الكبير من الشعب مع جميع ما يحمل من أغراض.
نقرأ فى النصوص المقدسة أن موسى صرخإلىاللهِلينقذبنيإسرائيلمنفرعونالقادموراءهمليعيدهمإلىعبوديته، عندما صارالبحرأمامهم والعدو خلفهم. (خر 19: 14-20 ), واستجابالله، فانتقل ملاك الربالذيكانيسيرأمامبنيإسرائيلليسيروراءهم،وانتقلعمودالسحابمنأمامبنيإسرائيلووقف،وراءهم. وهكذادخلعمودالسحاببينجنودفرعونوبينبنيإسرائيل،وصارالسحابوالظلامفيالجانبالذييقففيهالمصريون،بينماأضاءالليلفيالجانبالذيكانفيهبنوإسرائيل،فلميقتربجنودفرعونمنبنيإسرائيلالليلكله. كانعمودالسحابلجيشالمصريينقاتماًيعوقهمعنالتقدم،ويحجبتحركاتالجماعةالهاربة،ولكنهكانلبنيإسرائيلمنيراًيعكسلمعاناًعلىالرمال،وعلىمياهالبحر،ليبيّنلهمبوضوحالطريقالذييجبأنيسلكوافيه.
ومدَّموسىيدهعلىالبحركماأمرهالله،فأجرىالربالبحربريحشرقيةشديدةكلالليل،فجعلالبحريابسة،وانشقالماء. فدخلبنوإسرائيلفيوسطالبحرعلىاليابسة،والماءسورلهمعنيمينهموعنيسارهم.وحالماأدركالمصريونأنبنيإسرائيلهربواتبعوهموسطالبحر.
وكانفيهذاالتصرف - من جانب قادة عسكر المصريين -كثيرمنالكبرياءوالعناد بل والغباء, ولقد استدرجهم الكبرياء والعناد ولم يتنبهوا إلى الأمر الغريب الذى حدث أمامهم بإنشقاق البحر بواسطة الريح العنيفة والغير مألوفة, كان الأحرى بهم التروى والتأمل لفهم ماهى القوة التى تدعم هؤلاء القوم؟ من الذى يساعدهم هكذا؟ من الذى يستطيع أن يُجرى مثل هذه المعجزات, وكم تبلغ قوته؟ هل يمكن للجيش المصرى الوقوف أمام هذه القوة ويكون كُفُؤاً لها؟. لم ينتظر قادة المصريين حتى يفهموا, بل سبقهم قرارهم بالتقدم داخل البحر, فقد شدد الرب قلوبهم ليتمجد فيهم.
وفى نهاية الليل عندما قارب النهار, أشرف الرب على عسكر المصريين وأزعجهم فجعلهم فى حالة هلع شديد, ولم يعد الجيش العاتى المُدَرَّب قادر على أن يتصرف فى هذا الإضطراب, وقد ذكر أحد خدام الرب فى إحدى عظاته أن الرب قد جعل خوفاً عظيماً فى قلوب الجنود وقادتهم, حتى أنهم كانوا يتوهمون أعداءً مجهولين يلتحمون بهم فى قتال عنيف, وينقضُّون عليهم من الخلف ومن الجوانب, بل ويتخَفُّون فى ملابس الجنود المصريين, فكانوا يوجهون ضرباتهم إلى الهواء وإلى الوهم الذى توهموه, وتملكهم الذعر حتى طاش صوابهم.
ثم خلع الرب بَكَرَ أو عجلات مركبات القوات المصرية, فأصبحت لا تصلح للحركة ولحمل الجنود بل اِضْطُرُّوا لجرِّ المركبات بدلاً من أن تحملهم. وهنا فقط أدرك المصريون - بعد فوات الأوان - أن الرب يحارب عن الشعب الذى يطاردونه (خر14: 25), فأرادوا الهروب ولم يتمكنوا.
وأمرالربموسىأنيمدَّيدهعلىالبحرليرجعالماءعلىالمصريين،فرجعالبحروأغرقمركباتهموفرسانهم.نعم،مدَّموسىيدهعلىالبحرفرجعالبحرعندإقبالالصبحإلىحالهالدائمة،وغرقالمصريونوسطالبحر. أمابنوإسرائيلفمشواعلىاليابسةفيوسطالبحر،والماءسورلهمعنيمينهموعنيسارهم،فخلَّصالربفيذلكاليومبنيإسرائيلمنيدالمصريين. ونظربنوإسرائيلالمصريينأمواتاًعلىشاطئالبحر. ثم رنَّمموسىترنيمةالنجاة: أُرَنِّمُلِلرَّبِّفَإِنَّهُقَدْتَعَظَّمَ.الْفَرَسَوَرَاكِبَهُطَرَحَهُمَافِيالْبَحْرِ.الرَّبُّقُوَّتِيوَنَشِيدِي،وَقَدْصَارَخَلاصِي. هذَاإِلهِيفَأُمَجِّدُهُ،إِلهُأَبِيفَأُرَفِّعُهُ... تُرْشِدُبِرَأْفَتِكَالشَّعْبَالَّذِيفَدَيْتَهُ.تَهْدِيهِبِقُوَّتِكَإِلَىمَسْكَنِقُدْسِكَ... الرَّبُّيَمْلِكُإِلَىالدَّهْرِوَالأبَد ...ِ(خر15: 1-19).
الفصل الخامس
البَرِّيَّة
***
هنا تَخَلَّصَ موسى من فِرْعَوْن وشَرِّهِ, لكنه بدأ مرحلة أخرى صعبة مع الشعب العنيد.
عناية الله بشعبه:-
كانموسىيعرفبريةسيناءمعرفةجيدة, فقد مر بها قبل الآن وأقام فى بعض أماكن منها, وهو الذى كان أميراً حفيدأ لفرعون درس سابقاً علوماً تُعْنى بطبوغرافيا الأرض, وأسرار التحرك بالجيوش فى أرض كهذه,كانيعرفطبيعتهاالقاحلةالجافة،فكيفيمكنأنيسافرهذاالشعبالكثيرالذي لم يتدرب على مقاومة الظروف الطبيعية, والبيئة القاسيةوسطهذهالصحراء؟ كيف يتحمل هذا الشعب والذى يبلغعددهنحومليونينونصف ومنهم الأطفال والنساء والشيوخ؟. لاشكأنموسىكانيعلمأناللههوالذيأمربخروجشعبه،ولابدأنهيقوتهذاالعددالكبير،ويعتنيبهبمعجزاتهالعظيمة. كانعمودالسحابنهاراًوعمودالنارليلاًيرافقانبنيإسرائيل،وهذايعنيأناللهموجودوحَيّ،يعتنيبالذينيضعونثقتهمفيه.
وبعدأنعبربنوإسرائيلالبحرالأحمر،سارواثلاثةأيامفيالصحراء،ولميجدواماءً. لاشكأناليومالأولكانمتعباًكئيباً،قابلتهمفيهالعواصفالرملية،ولميجدواظلاًولاأشجاراًولاماءً. ثمأنالماءالذيحملوهفيقِرَبِهملابدأنه تَغَيَّر طعمه ولم يعُد يصْلُح،أوكادينتهى.
الماء المر فى واحة مارة:-
صارتالمياهالتيحملوهاشحيحة،إنلمتكنقدفرغتتماماً.وفى اليومالثالثشجعموسىالشعبعلىالصبروالمثابرة،عالماًأنهناكبعضالبِرَكعلىمسافةقريبة،لأنأشجارنخيلوخضرةتظهرعلىبُعدفيالأفق.لكنماإنوصلالشعبإليهاحتىاكتشفواأنذلكالماءمر، فدعوااسمالمكان"مارة". وأخذوايتذمرونعلىموسىقائلين:ماذانشرب؟.لقدكانتخيبةأملشديدةللشعب، ولكنهمفيالوقتنفسهكانواضعافالإيمان، فماأسرعمانسواأعمالاللهمعهم، وتحولواإلىعُصَاةمتمردينبعدأنكانوامترنمينهاتفين(خر15: 22- 25).
لم يكن ايمان الشعب بحجم الأعمال والعجائب التى جرت أمامهم, ويبدوا أنهم بفعل النشأة والعيش فى مصر الوثنية كانوا لا يتخطون مرحلة الإنبهار أو التعجب فقط لما يرونه من عجائب يجريها الله, وقت حدوثها بدون التفكير فى معنى وقيمة الحدث.
شجرة العلاج :-
عند كل ماء مُر يصادفنا أوجد الله شجرة للعلاج, ولأنه لابد أن يكون لنا دور فى علاج المشكلة, فإنَّهُ فقط علينا إكتشاف الشجرة؛ واستخدامها.
"فصَرَخَ إلَى الرَّبِ فَأَرَاهُ الرَّبُ شَجَرَةً فطَرَحَها في الْمَاءِ فصَارَ الماءُ عذْبَاً هنَاكَ وَضَعَ له فَرِيضَةً وحُكْمَاً وهناكَ امْتَحَنَهُ"(خر15: 25).
والشجرة تقدم معانى العلاج؛ فرغم المرور السريع للوحى المقدس على وجود الشجرة التى أراها الله لموسى لعلاج الماء المر, إلاَّ أن المعنى العميق لا يمكن إغفاله. لقد أوجد الله الماء المر, وهو أيضاً الذى أوجد الشجرة التى تعالج هذا الماء, وهو الذى جعل موسى يراها, وهناك وضع له فريضةً وحكماً وهناك امتَحَنَهُ .
"عَرَّفَمُوسَىطُرُقَهُوَبَنِيإِسْرَائِيلَأَفْعَالَهُ" (مز103:7).
التذمربسبب الطعام:-
العبيد لا يدركون آفاق الكرامة, تشغلهم فقط أمور اللحظة.
فبعدأنرحلبنوإسرائيلمنمارةوصلواإلىمكاناسمهإيليم،حيثوجدوااثنتيعشرةعينماءوسبعيننخلة,فنزلواهناكعندالماء (خر15:27).لكنلابدأنيرتحلوا،فساروافيالصحراءإلىبريةسين. وهنابدأالشعبيتذمرونعلىموسىوهارونوقالوا: "لَيْتَنَامُتْنَابِيَدِالرَّبِّفِيأَرْضِمِصْرَ،إِذْكُنَّاجَالِسِينَعِنْدَقُدُورِاللَّحْمِنَأْكُلُخُبْزاًلِلشَّبَعِ! فَإِنَّكُمَاأَخْرَجْتُمَانَاإِلَىهذَاالْقَفْرِلِتُمِيتَاكُلَّهذَاالْجُمْهُورِبالجُوعِ" (خر 1:16 -3).
لقد اعتاد هذا الشعب حياة الخنوع والإستكانة, ولم يفكروا فى البركات التى يُعِدُّها اللهُ لهم, بل تَمَنَّوا العودة للعبودية مقابل الجُلوس عند قُدُورِ اللَّحم.
المن والسلوى والخبز الحى النازل من السماء:-
عندماسمعاللّهتذمربنيإسرائيلقاللموسى "هَاأَنَاأُمْطِرُلَكُمْخُبْزاًمِنَالسَّمَاءِ, فَيَخْرُجُالشَّعْبُوَيَلْتَقِطُونَحَاجَةَالْيَوْمِبِيَوْمِهَا, لأَمْتَحِنَهُمْ،أَيَسْلُكُونَفِينَامُوسِيأَمْلا؟(خر16: 4)
وبغتةًرأىالشعبأنمجدالربقدظهر،ومنالمجدقالالربإنهسمعتذمرالشعب،لذلكسيعطيهملحماًفيالمساءوخبزاًفيالصباح.فيذلكالمساءنفسهتوافدتأسرابطيورالسلوىوغطتالمعسكركله. وفيالصباحبعدأنارتفعسقيطالندىشاهدالشعبشيئاًدقيقاًكقشورالجليدفقالوا: "منا". وهيكلمةعبريةمعناها "منهو" فأخبرهمموسىأنهذاهوالخبزالذيوعدهمبهالرب.وطلبمنهمأنيلتقطواحواليكيلةلكلعائلة، ولايُبْقُوامنه شيئاًإلىاليومالتالي،لأنَّاللّهسيعطيهمفياليومالتاليأكثرمنه. وفيكلصباحسوفيعطيهمهذاالمن.
لميؤمنبعضبنيإسرائيلبأنالربسيظليُزَوِّدهُمبالمنيوماًبعديوم،فحاولواأنيُخْزِنوامنهشيئاًلليومالتالي،فرُبَّمالايُعْطيهماللّهفياليومالتالي،فكانأنابتلاهالفسادفيالليل. وغضِبَموسىعلىهؤلاءالذينلميؤمنواغضباًشديداً(خر16: 19, 20)
وجمعبنوإسرائيلفياليومالسادسمنالمنضعفمااعتادواأنيجمعوهفيكليوم،لأنيومالسبتكانيومراحةلاينزلفيهالمن،ولايجمعالشعبفيهشيئاً. وطلبموسىمنبنيإسرائيلأنيخبزواالمنأويطبخوهفيظلصالحاًليومالسبت. وكانهدفالربأنيعوِّدشعبهعلىتقديسيومالرب.
وبالرغممنذلكفإنبعضأفرادالشعب،بسببعدمإيمانهم،خرجوايومالسبتليلتقطواالمن،فلميجدواشيئاً.ورأىالربذلكفأمرهمأنيستريحوافييومالسبت.وكانالمنيشبهبذرالكزبرة،لونهأبيض،وطعمُهكرقاقٍبعسلٍ(خر16: 31)
وكان الرب يسوع المسيح هو الخبز الحى النازل من السماء: "اَلْحَقَّالْحَقَّأَقُولُلَكُمْ مَنْيُؤْمِنُبِيفَلَهُحَيَاةٌأَبَدِيَّةٌ,أَنَاهُوَخُبْزُالْحَيَاةِ,آبَاؤُكُمْأَكَلُواالْمَنَّفِيالْبَرِّيَّةِوَمَاتُوا. هذَاهُوَالْخُبْزُالنَّازِلُمِنَالسَّمَاءِ،لِكَيْيَأْكُلَمِنْهُالإِنْسَانُوَلايَمُوتَ.أَنَاهُوَالْخُبْزُالْحَيُّالَّذِينَزَلَمِنَالسَّمَاءِ. إِنْأَكَلَأَحَدٌمِنْهذَاالْخُبْزِيَحْيَاإِلَىالأبَدِ.وَالْخُبْزُالَّذِيأَنَاأُعْطِيهُوَجَسَدِيالَّذِيأَبْذِلُهُمِنْأَجْلِحَيَاةِالْعَالَم" (يو6: 47–51).
الصخرةفيرفيديم حوريب (والصخرة كانت المسيح): -
إرتحلبنوإسرائيلمنبريةسين،ونزلوافي"رفيديم". ولميجدالشعبهناكماءليشربوا،فابتدأوايتذمرونمرةأخرىعلىموسىوهارونوقالوا أَعْطُونَامَاءًلِنَشْرَبَ. فَقَالَلَهُمْمُوسَى لِمَاذَاتُخَاصِمُونَنِي؟لِمَاذَاتُجَرِّبُونَالرَّبَّ؟وَعَطِشَهُنَاكَالشَّعْبُإِلَىالْمَاءِ،وَتَذَمَّرَالشَّعْبُعَلَىمُوسَىوَقَالُوالِمَاذَاأَصْعَدْتَنَامِنْمِصْرَلِتُمِيتَنَاوَأَوْلادَنَاوَمَوَاشِيَنَابِالْعَطَشِ؟فَصَرَخَمُوسَىإِلَىالرَّبّ مَاذَاأَفْعَلُبِهذَاالشَّعْبِ؟بَعْدَقَلِيلٍيَرْجُمُونَنِي,فَقَالَالرَّبُّلِمُوسَى مُرَّقُدَّامَالشَّعْبِوَخُذْمَعَكَمِنْشُيُوخِإِسْرَائِيلَ. وَعَصَاكَالَّتِيضَرَبْتَبِهَاالنَّهْرَخُذْهَافِييَدِكَوَاذْهَبْ. هَاأَنَاأَقِفُأَمَامَكَهُنَاكَعَلَىالصَّخْرَةِفِيحُورِيبَ،فَتَضْرِبُالصَّخْرَةَفَيَخْرُجُمِنْهَامَاءٌلِيَشْرَبَالشَّعْبُ.ففعلموسىهكذاأمامشيوخبنيإسرائيل. ضربالصخرةبعصاه،فأخرجاللّهالماءمنالصخرة،وأروىالشعبكله(خر17: 1- 7)
فيرفيديمتعلمموسىدرساًعظيماًهوأنقوتهمحدودة. كثيراًمايتجربالقائدبأنيحسبنفسهشيئاً،إذينجحيوماًبعديومفيمواجهةالمشكلاتالتيتعترضطريقه.ولكناللّهيوقظالقائدليعلِّمهأنالنجاحهومنالربوحده،وأنالقائدبدونالربعاجزتماماًعنأنيفعلشيئاً: "هَلْتَفْتَخِرُالْفَأْسُعَلَىالْقَاطِعِبِهَا،أَوْيَتَكَبَّرُالْمِنْشَارُعَلَىمُرَدِّدِهِ كَأَنَّالْقَضِيبَيُحَرِّكُرَافِعَهُ")إش15:10). إناللّههوالفاعل الحقيقى والقادر أن يفعل.
وتعلمموسىفيرفيديمدرساًعنطولأناةاللهعلىشعبهالمتذمر.لوأناللهأهلكنابسببخطايانالما وُجِدَ من يستحق العفو, ولمابقيمناإنسانواحدعلىالأرض. لكناللهفيمحبتهيطيلأناتهعلينا.
وتعلمموسىأناللهحاضرمعهدائماً،قالله: هَاأَنَاأَقِفُأَمَامَكَهُنَاكَعَلَىالصَّخْرَة (خر17: 6). ويخبرنا بولس الرسول فى العهد الجديدأنبنيإسرائيلكانوايشربونمنصخرةروحيةتابعتهم،والصخرةكانتالمسيح (1كو10: 4)
أتى عماليق وحارب إسرائيل فى رفيديم :-
لم يَرُقْ للعمالقة وهممننسلعيسو،منقبيلةعماليق،رؤية العبرانيين المتجولين فى الأرض حولهم وأمامهم, وأرادوا التخلص منهم, فأتوالكييحاربوابنيإسرائيل(خر8:17-16). وقد كانت المعجزة التىأجراهااللهعلىيدموسى،لينقذشعبهبنيإسرائيل كانتتلكالقبيلةوحشيةفظة،تحبالقتال،لم يكن مقبولاً أن ترى هذاالشعبالجديديتطفلعلىمراعيهمويهددحصونهمالتيثبتتأمامغاراتمصر؟إنهذامستحيل.لقدكانواقبيلةقويةجمعتفيذلكالمكانكلقواتالصحراءمنالبتراءإلىالبحرالأبيضالمتوسط.فضربعماليقمؤخرةالإسرائيليين - أيكلالمستضعفين - عندماأعيوامنالتعب.
وكانلابدلموسىأنيواجههذاالموقفالحرج،فانقبضتنفسهمنشدةووطأةالحرب. وكانقد تَعَدَّى الثمانينمنالعمر،فأوكلقيادةالجيشإلىتلميذهيشوع.أماموسىفقدصعدإلىرأسالتلة،والعصاالمقدسةفييده,وإذتطلعموسىإلىساحةالحرب،وقدأقبلأولئكالعماليقيونالعمالقةليبيدوابنيإسرائيلالمستضعفين،بسطموسىيديهإلىاللهفيالصلاة،فانتصربنوإسرائيلعلىالعدوبالصلاةوالدعاء،التيكانتاليدانالمبسوطتانإلىاللهترمزانإليها, فكانإذارفعموسىيديهأنبنيإسرائيلينتصرون، وإذاخفضيديهكانتقبيلةعماليقتغلب. فلماصارتيداموسىثقيلتين،أخذحجراًوجلسعليه،ووقفهارونعنيمينهيدعِّميدهاليمنى،ووقف"حور" ليرفعيدموسىمنالجانبالأيسر. فظلَّتيداموسىثابتتَيْنإلىغروبالشمس،فهزميشوعُوجيشهالضعيفالصغيرالعمالقةالأقوياءالمتمرِّسينفيالحرب.
بدء صراعات بنى اسرائيل ومولد القومية :-
لقد كان موسى أباً مؤسِّسَاً للقومية العبرية, وهو الذى بدأ على يديه تاريخ شعب إسرائيل, وقد صاحب هذا الشعب فى حروب عديدة مع شعوب شريرة أراد عدل الله تأديبها لفجورها. كان أول احتكاك للشعب العبرى مع القوى المغايرة هو أحداث الخروج بكل ما فيها من عظائم الله. ولم يكن مطلوباً من الشعب عندئذ رفع أى سلاح, فكما قال لهم موسى أن الرب يدافع عنهم وهم صامتون: "الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون"(خر14: 14). ثم جاءت المواجهات ساخنة بعد ذلك حيث بدأت مع عماليق, وهم قوم حروب متمرسون على حمل السلاح, عمالقة أقوياء الأبدان ليس لبنى اسرائيل قِبَل بِهِم وقد استفزهم حال إسرائيل, وبادروا بالمواجهة, وتم الإنتصار أيضاً بالدعم الإلهى مع صلاة موسى الذى ظل رافعاً يديه حتى النصر. ثم توالت أحداث الحروب منذ ذلك الوقت فصاعداً بما مر بالشعب من إنتصار وإنكسار حسب إنتظامهم فى طاعة الله أو عصيانه.
وقد تكونت قومية الشعب العبرى كشعب الله و اشتد عودها عبر تاريخها الطويل؛ بدعم أساسى ومبدئى من الله ذاته, الذى قام بتحريك كل الشخوص وكل الأحداث فى سبيل إتمام خطته لصالح هذا الشعب الذى امتاز حقاً عن غيره بمسير الرب معه(خر33: 16), ولم يكن ذلك ظلماً لشعوب أخرى طيبة المسعى تخاف الله الذى لم يأبه بها والذى إستمر فى تدليل العبرانيين بغير عدل, بل كان تأديباً لشعوب لاتتقى الله واستئصالاً لشرٍّ لايتوافق مع طبيعة البار القدوس. لقد ظل بإمكان أى من الشعوب أو القبائل أو الأفراد الإستفادة من عمل الله والإنضمام لشعبه المبارك بصرف النظر عن القومية والإنتماء القبلى, شرط أن يتقدس الشعب الذى يُدْعَى اسم الرب عليه. "والآن لتَكُنْ هَيْبَة الرَّبِّ علَيْكُم إحْذَرُوا وافْعَلُوا لأنَّه لَيْس عِندَ الرَّبِّ الهُنا ظُلْمٌ ولا مُحَابَاةٍ ولا ارْتِشَاءٍ" (2اخبار19 : 7).
لقد سجل الكتاب المقدس إنضمام الكثيرين ممن ينتمون قومياً لغير شعب اسرائيل, إلى شعب الرب المقدس, وكان منهم القبائل والعائلات الصغيرة والأفراد, لأن الله لم يرفض أحداً لكنه أراد تخصيصاً وتقديساً. كما كان بعض المنضمين للشعب العبرى "الحورونيون" وقد كانوا من أصول غير سامية[33], والذين كان منهم "سنبلط الحورونى" الذى ورد اسمه فى(نح2: 19). وكان موطن الحورانيين الأصلى جبال الكُرْد شمال العراق.
وانضمت قبائل وجماعات أخرى[34] على مر تاريخ اسرائيل, والعكس أيضاً خرج البعض عن بنى اسرائيل.
استمرت صراعات القومية حتى العصر الحديث الذى أصبح فيه الصراع "عربى إسرائيلى" أو "إسلامى يهودى" بسبب ما يظهر من تشدد قومى, وهو الخلفية الثابتة للأحداث المعاصرة بالمنطقة.
حتى الرؤية الفكرية الواعية عبَّرَت عن حالة الصراع القومى المحتدم, فأصبحت فكرة وجود الدولة اليهودية فى حد ذاتها- حسب هذه الرؤية- هى أكثر صور العنصرية حِدَّةً بما لا يتفق مع مبادئ المساواة والديموقراطية فى المجتمع المتحضر, ولا مبدأ إنسانية الأديان, بالطعن على أطروحة الإنتقاء لتحقيق خطة الله نحو البشر.
يقول الدكتور/ عزمى بشارة[35] وهو من نُشَطَاء عربِ اسرائيل وشَغل مقعداً بالكنيسيت الإسرائيلى, بأن بناء الدولة اليهودية يقوم على أنها دولة قومية لليهود حيث يرى أنه من الإشكاليات الرئيسية فى الديموقراطية الإسرائيلية, إشكالية المُواطَنَة ويهودية الدولة التى قُسِّمَت لقسمين, الأول أن يهودية الدولة تستند إلى عدم الفصل بين الدين والقومية, وتقود بالتالى إلى عدم الفصل بين الدين والدولة . والثانى أن الدولة ليست يهودية فقط بحكم الأغلبية اليهودية فيها, بل أيضاً بحكم كونها دولة اليهود. فإسرائيل الدولة ترى أنها ليست فقط دولة الأغلبية من مواطنيها بل فى ذات الوقت هى دولة كثيرين ليسوا بعد مواطنين فيها, وهكذا فهى ترى لذاتها مهمة أيديولوجية فى إقناع مواطنيها المُفْتَرَضين بأن لهم وطن غير أوطانهم التى يعيشون فيها الآن وأن عليهم الولاء لوطنهم فى أرض إسرائيل.
ويذهب الدكتور/ عمر فروخ عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة وعضو جمعية البحوث الإسلامية فى بومباى, فى كتابه "تجديد التاريخ"[36] إلى أكثر من ذلك: إلى قومية الإله؛ إذ أنَّ كلمة "إله" عند العبرانيين لن تَكْتَسِب ما أسماه "المَدْرَكَ المُطْلَق" ما داموا يضيفون لفظة إله إلى "مُضَاف إليه جزئى" بمعنى استخدام التعبير: إلَهى, إلَهَك, إلَهنا, إلَهكم, إلَه العبرانيين, إله إسرائيل إلخ. وفى استخدام لفظة "أدوناى" أى سيدى أو ربى, وما يتضمنه ذلك كله من استئثار بالله. بالإضافة لما يراه غموضاً فى لفظة "يهوة" يرجع لذات الإستئثار.
هكذا يتخذ الصراع القومى بُعداً أكثر عُمقاً من مجرد نزاع سياسى أو نزاع على ملكية الأرض.
زيارة يثرون بصحبة أسرة موسى :-
عندما بلغتأخبارما يحدث مع شعب اسرائيل من أعمال الله العظيمةإلىيثرونحميموسىالذيكانيسكنأرضمديان،قررأنيأتيلزيارةموسى،ومعهابنتهصفورةزوجةموسى،وابنيموسى"جرشوم"و"أليعازر" (خروج18 (.
وإبنا موسى إذاً :البِكر"جرشوم"الذيمعناه(غريب).لأنموسىقال: كنتُنزيلاًفيأرضٍغريبةٍ. والآخر "أليعازر" ومعنىاسمه(اللهعون)لأنموسىقالإنإلهأبيهكانعونه،وأنقذهمنسيففرعون.
أغلبالظنأنموسىلميكنقداصطحبزوجتهوولديهمعهإلىمصر،حرصاًعلىسلامتهم،فتركهمعندحميهيثرون.وقدأخذيثرونزوجةموسىوولديهليلتقوابه،وأرسليثرونرسولاًإلىموسىينبئهأنهقادممعزوجتهوولديه. فقابلموسىهذاالأمربتقديركبير، ورحَّببحميهترحيباًمقترناًبالإكرام،إذسجدلهإلىالأرض.وبدأموسىيحكيلحميهكلماصنعالرببفرعونوالمصريين،وكلالمشقةالتيأصابتبنيإسرائيلفيالطريق،وكيفخلصهماللهمنها. ففرحيثرونبالخيرالذيصنعهاللهإلىبنيإسرائيل،وقاليثرون "مُبَارَكٌالرَّبُّالَّذِيأَنْقَذَكُمْمِنْأَيْدِيالْمِصْرِيِّينَوَمِنْيَدِفِرْعَوْنَ.اَلَّذِيأَنْقَذَالشَّعْبَمِنْتَحْتِأَيْدِيالْمِصْرِيِّينَ.الآنَعَلِمْتُأَنَّالرَّبَّأَعْظَمُمِنْجَمِيعِالآلِهَةِ،لأَنَّهُفِيالشَّيْءِالَّذِيبَغُوابِهِكَانَعَلَيْهِمْ(خروج18: 1- 12). وقدميثرونمحرقةوذبائحلله.
نصيحةيثرون: -
جلسموسىليقضيللشعب،فوقفالشعبعندموسىمنالصباحإلىالمساء. ولمارأىيثرونمايفعلموسى،قالله: مَاهذَاالأَمْرُالَّذِيأَنْتَصَانِعٌلِلشَّعْبِ, ونصحه باختيار مساعدين حتى لا يثقل على نفسه وعلى الشعب (خر18:14-23).وسُرَّموسىكثيراًمننصيحةحميه،وسمعلكلامه،فاختارموسىأصحابمواهبمنجميعبنيإسرائيلونصّبَهممسئولينعنالشعب، فكانوايقضونللشعبكلحينفيالدعاويالصغيرة. أماالدعاويالعسرةفكانوايجيئونبهاإلىموسى.
قدم يثرون لموسى هذه النصيحة أثناء زيارته, وذلك بشأن أعمال موسى ورعايته للشعب فى القضاء, وحل الخلافات, وتثبيت آداب ونُظُم عامة للحياة فترة ما قبل الشريعة. فمع استمرار تقدم الشعب فى المسير والإرتحال, بدأت تتشكل الحياة الجديدة خارج حدود أرض العبودية, واقتضت ظروف حياة الشعب وجود رعاية خاصة مباشرة من القائد, فهم يسيرون فى برية غريبة لم يتعودوا على أجوائها, كما أن الله كان يقوم بإعدادهم مع كل خطوة يتقدمونها, مروراً بفترات إختبار وتشديد عزيمة, مع وجود رعاية حميمة كانوا يحتاجونها وهم بعد مازالوا مشغولى الذاكرة بالحياة الساكنة فى مصر وهم عبيد للمصريين, كما أنهم لم يألفوا حتى الآن صراع البرية وقسوة الإحتكاك مع شعوب عنيفة كانوا عتيدين أن يمروا بهم.
لقد آثَرَ موسى أن يحتمل هموم ومشاكل الشعب, خلافات وخصومات وصراعات بين الأفراد, مشاكل تحتاج لسؤال الرب عما ينبغى فعله, فلم تكن الشريعة قد وُضِعَت بعد, ولم يكن المجتمع قد تحددت معالمه وانتظمت حياته اليومية. هنا نجد شخصية موسى مُحْتَمِل الأعباء, الذى كان أباً للكل, راعياً مُخْلِصَاً للجميع, أمِيناً فيما أقامَه الرب عليه. لقد استغرق إعداد شخصية موسى لتكون بهذه الكيفية مدة الثمانين عاماً الماضية, وها هو ذا وقت العمل والمسئولية.
الفصل السادس
الشريعة وتنظيم العبادة
***
كان موسى مرحلة رئيسية من مراحل تطور معاملات الله مع الإنسان, فَقَبْلَهُ عندما لم يكن للإنسان ناموس؛ كان الإنسان ناموساً لنَفْسِهِ, وعامل الله الإنسان بنعمةٍ, ثم تم تقنين ونومسة شريعة العلاقة بين الله والإنسان والتى كان لإسرائيل رغبةً فيها. وعلى صرامة وصعوبة الشريعة إلاَّ أنها كانت مطلوبة فى هذه المرحلة من النمو الإنسانى, وكانت كافية لإثبات عجز الإنسان عن الوصول للصورة الكاملة النقية, الخالية من أى خلل أمام الله كلِّىّ القداسة. وقد قدمت الشريعة فلسفةً كانت أسبق وأسمى من فلسفات اليونان كما عَلَّمَ ونادى بذلك الفيلسوف اليهودى[37] "فيلون الإسكندرى" (30 قبل الميلاد - 50 بعده).
كما قدمت الشريعة رُقِيّاً عظيماً لنظام المجتمعات وإدارة شئون الشعوب, على غير ما كانت فيه شعوب مثل مصر الفرعونية التى كان الفرعون فيها مع الكهنة هم القانون والنظام, والصين القديمة[38] التى قام نظام واستقرار المجتمع فيها على أسس من السلطة فى يد الحاكم تقيس الصواب والخطأ كما يراه الرئيس أو الشخص الأول ويسمى بمبدأ "تحقيق الذاتية مع الأرفع منزلة", وقد نادى فلاسفتها بسوء الفطرة البشرية ووجود النزعة التسلطية, مثل: "موتزو" و"هسون تزو". كما نادت "التاوية" بمبدأ: "أفرغ عقول الناس واملأ بطونهم, أضعف إرادتهم وقوِّ عظامهم".
الوصايا العشر :-
بعدثلاثةشهورمنخروجبنيإسرائيلمنمصر،وصلواإلىبريةسيناء.وهيالأرضالمعروفةاليومباسم (واديالراحة)،وأقاموافيسهلطولهثلاثةكيلومتراتوعرضهكيلومترواحد،تحيطبهسلسلةمنجبالمنحجرأسودوأصفر. ويُعرفبعضأقسامذلكالجبلفيطرفالصحراءباسم(رأسالصفصافة)وهوهضبةيكثرعليهاالشجرالذيينموفيكلموضع.
وصعدموسىإلىاللهإلىجبلسيناء،فناداهالربمنالجبلوقالله: " أَنْتُمْرَأَيْتُمْمَاصَنَعْتُبِالْمِصْرِيِّينَوَأَنَاحَمَلْتُكُمْعَلَىأَجْنِحَةِالنُّسُورِوَجِئْتُبِكُمْإِلَيَّ "(خر19:4). لقد أنقذهماللهمنالشدائدوالأخطار،وجاءبهمإليه،ليعبدوهبعيداًعنالعبادةالوثنية. ثمقالاللهلموسى: "الآنَإِنْسَمِعْتُمْلِصَوْتِيوَحَفِظْتُمْعَهْدِيتَكُونُونَلِيخَاصَّةًمِنْبَيْنِجَمِيعِالشُّعُوبِ. فَإِنَّلِيكُلَّالأَرْضِ. وَأَنْتُمْتَكُونُونَلِيمَمْلَكَةَكَهَنَةٍوَأُمَّةًمُقَدَّسَةً " (خر5:19 ).
بعدأنسمعموسىهذهالكلماتعلىالجبلجمعشيوخبنيإسرائيلمعاً،فتعهدواأنيفعلواماأمرالرببه. وعنطيبخاطرقالواإنهمسيحفظونشريعةالله.لكنهم لم يتنبهوا إلى طبيعة الشعب العاصى.
وقالالربلموسىإنهسيخاطبهفيالسحاب،فيؤمنالشعبأنالربحقاًهوالذيتكلم. وطلباللهمنالشعبأنيستعدوالذلكاليومالعظيم،وأنيقدسواأنفسهمجسداًوروحاً،لأنالربسينزلفياليومالثالثإلىجبلسيناء،حيثيجتمعالشعبعندسفحالجبل،وكلمنيمسالجبليموت.وفيهذاإعلانلقداسةالله(خر19: 10-13) .
ونزلموسىمنعلىالجبلوقدسالشعب،فغسلواثيابهم. وحدثفيصباحاليومالثالثأنهصارترعودوبروقوسحابثقيلعلىالجبل،وصوتبوقشديدجداً،فارتعدكلالشعبالذيفيالمحلة. وأخرجموسىالشعبليلاقواالرب،فوقفوافيأسفلالجبل. وكانجبلسيناءكلهيدخنمنأجلأنالربنزلعليهبالنار،فكانصوتُالبوقيزداداشتداداًوموسىيتكلمواللهيجيبهبصوتيسمعهالشعبكله.
ثمصعدموسىإلىالجبلليستمعإلىاللهيكلمهويعطيه الوصايا: "أَنَاالرَّبُّإِلهُكَالَّذِيأَخْرَجَكَمِنْأَرْضِمِصْرَمِنْبَيْتِالْعُبُودِيَّةِ. لايَكُنْلَكَآلِهَةٌأُخْرَىأَمَامِي. لاتَصْنَعْلَكَتِمْثَالاًمَنْحُوتاًوَلاصُورَةًمَامِمَّافِيالسَّمَاءِمِنْفَوْقُ،وَمَافِيالأرْضِمِنْتَحْتُ،وَمَافِيالْمَاءِمِنْتَحْتِالأَرْضِ. لاتَسْجُدْلَهُنَّوَلاتَعْبُدْهُنَّ،لأَنِّيأَنَاالرَّبَّإِلهَكَإِلهٌغَيُورٌ،أَفْتَقِدُذُنُوبَالآبَاءِفِيالأبْنَاءِفِيالْجِيلِالثَّالِثِوَالرَّابِعِمِنْمُبْغِضِيَّوَأَصْنَعُإِحْسَاناًإِلَىأُلُوفٍمِنْمُحِبِّيَّوَحَافِظِيوَصَايَايَ,لاتَنْطِقْبِاسْمِالرَّبِّإِلهِكَبَاطِلاً،لأَنَّالرَّبَّلايُبْرِئُمَنْنَطَقَبِاسْمِهِبَاطِلاً. اُذْكُرْيَوْمَالسَّبْتِلِتُقَدِّسَهُ. سِتَّةَأَيَّامٍتَعْمَلُوَتَصْنَعُجَمِيعَعَمَلِكَ،وَأَمَّاالْيَوْمُالسَّابِعُفَفِيهِسَبْتٌلِلرَّبِّإِلهِكَ. لاتَصْنَعْعَمَلاًمَاأَنْتَوَابْنُكَوَابْنَتُكَوَعَبْدُكَوَأَمَتُكَوَبَهِيمَتُكَوَنَزِيلُكَالَّذِيدَاخِلَأَبْوَابِكَ.لأنْفِيسِتَّةِأَيَّامٍصَنَعَالرَّبُّالسَّمَاءَوَالأَرْضَوَالْبَحْرَوَكُلَّمَافِيهَا،وَاسْتَرَاحَفِيالْيَوْمِالسَّابِعِ. لِذلِكَبَارَكَالرَّبُّيَوْمَالسَّبْتِوَقَدَّسَهُ. أَكْرِمْأَبَاكَوَأُمَّكَلِتَطُولَأَيَّامُكَعَلَىالأَرْضِالَّتِييُعْطِيكَالرَّبُّإِلهُكَ. لاتَقْتُلْ. لاتَزْنِ. لاتَسْرِقْ. لاتَشْهَدْعَلَىقَرِيبِكَشَهَادَةَزُورٍ. لاتَشْتَهِبَيْتَقَرِيبِكَ. لاتَشْتَهِامْرَأَةَقَرِيبِكَوَلاعَبْدَهُوَلاأَمَتَهُوَلاثَوْرَهُوَلاحِمَارَهُوَلاشَيْئاًمِمَّالِقَرِيبِكَ " ) خر20: 2-17).
غياب موسى فى الجبل وإقامة العِجْل:-
صعدموسىإلىجبلسيناءوقضىهناكأربعينيوماًفيمحضرالله،أعطاهاللهُفينهايتهالوحيالحجر،مكتوبعليهماالوصاياالعشر.فوضعموسىهذيناللوحينفيالتابوتالذيكانفيقدسالأقداس،فيخيمةالاجتماع. وبعدأنانتهىالله منالحديثمعموسىعلىجبلسيناء،أعطاه "لوحيشهادة"أيلوحيحجرمكتوبَيْنبإصبعالله.
وكانموسىقدأمرالشعبقبلأنيصعدإلىالجبلأنيرفعواالمشاكلالتييصادفونهاأثناءغيابهإلىهارونوحور،فاجتمعالشعبكلهعلىهارونوقالواله: "اصْنَعْلَنَاآلِهَةًتَسِيرُأَمَامَنَا،لأَنَّهذَامُوسَىالرَّجُلَالَّذِيأَصْعَدَنَامِنْأَرْضِمِصْرَلانَعْلَمُمَاذَاأَصَابَهُ " (خر32: 1-6).
وكان الشعب متأثراً بعبادة المصريين[39] للعجل "أبيس Apis" والتى كانت من أقدم عبادات الحيوان فى مصر, وكان مركزها "منف" وقد ارتبطت عبادته أيضاً بكبار الآلهة مثل "رع" و "أوزوريس", وتوجهوا إلى هارون ليصنع لهم مثله.
وعندماسمعهارونطلبالشعبأنيصنعلهمإلهاً،حاولأنيعطلهمويمنعهمعنعبادةالأوثانفقاللهم "انْزِعُواأَقْرَاطَالذَّهَبِالَّتِيفِيآذَانِنِسَائِكُمْوَبَنِيكُمْوَبَنَاتِكُمْوَأْتُونِيبِهَا" (خر32: 2). لميستطعهارونأنيثنيالشعبعنطلبهمبطريقةمباشرة،فظنأننساءهموأولادهملايسمحونلهمبأنيقدمواأقراطالذهبالتيفيآذانهم.ولكنلدهشةهاروننزعكلالشعبأقراطالذهب،وأخذهارونمنهمالذهبوصبَّهعِجلاً،ثمأخذيصوّرهبالإزميلويصنعهكماكانالمصريونيصنعونالعجل"أبيس Apis"الذيكانمعبده الرئيسىفي"ممفيس".
وعندما رأىالشعبالعجلالذهبيبدأوايهتفونكلهم "هذِهِآلِهَتُكَيَاإِسْرَائِيلُالَّتِيأَصْعَدَتْكَمِنْأَرْضِمِصْرَ" )خر32: 4). وبعدأنصنعلهمهارون العجلالذهبي،صنعللعجلمذبحاًمنالحجارة،ووضعهأمامالعجل،وقالهارونللشعب "غداًعيدليهوه". لكن الشعب عَبَد العجل وأكلوا وشربوا ثم قاموا لِلَّعِب[40].
موسى يتشفع فى شعبه أمام الله :-
عندما صنع الشعب العجل الذهبى لعبادتهقالاللهلموسى: "اذْهَبِانْزِلْ لأَنَّهُقَدْفَسَدَشَعْبُكَالَّذِيأَصْعَدْتَهُمِنْأَرْضِمِصْرَ ... وَقَالَالرَّبُّلِمُوسَىرَأَيْتُهذَاالشَّعْبَوَإِذَاهُوَشَعْبٌصُلْبُالرَّقَبَة".ثمقالاللهلموسى " فَالآنَاتْرُكْنِيلِيَحْمَىغَضَبِيعَلَيْهِمْوَأُفْنِيَهُمْ،فَأُصَيِّرَكَشَعْباًعَظِيماً " (خر 32: 9-14).
لقد أعلن الله غضبه على الشعب الذى سرعان ما نسى كل ما حدث معه فى الخروج من أرض العبودية وكيف كانت ذراع الرب قوية لخلاص بنى اسرائيل, وكيف أعالهم الرب فى مسيرهم طوال هذا الوقت,وهذايعنيأناللهسيفنيبنيإسرائيلويقيممننسلموسىشعباًجديداً, ولكنموسىبدأيتشفَّعفيشعبه،فقاللله "لِمَاذَايَارَبُّيَحْمَىغَضَبُكَعَلَىشَعْبِكَالَّذِيأَخْرَجْتَهُمِنْأَرْضِمِصْرَبِقُوَّةٍعَظِيمَةٍوَيَدٍشَدِيدَةٍ ..."(خر32: 7-14).
هنانجد موسى يتشفع بكل وجدانه عن شعبه الخاطئ أمام الله, فوقف يطلب الصفح وقد ربطه بوجوده قائلا "وإلاَّ فامحنى من كتابك الذى كتبت" (خر32:32).
ثم عندما أغضبوا الرب مرة أخرى, ورفضوا التقدم نحو أرض الكنعانيين والعمالقة, بل فكروا فى العودة إلى مصر خوفاً وعدم ثقة فى الله عاد يتشفع أيضاً فيهم: "ولماذا أتى بنا الرب إلى هذه الأرض لنسقط بالسيف تصير نساؤنا وأطفالنا غنيمة أليس خيراً لنا أن نرجع إلى مصر, فقال بعضهم إلى بعض نقيم رئيساً ونرجع إلى مصر"(عد14: 3, 4),وقال الرب "إني أضربهم بالوبا وأبيدهم وأصيرك شعباً أكبر وأعظم منهم ... فقال موسى للرب ... إصفح عن ذنب هذا الشعب كعظمة نعمتك و كما غفرت لهذا الشعب من مصر الى ههنا" (عد14: 11-19).
لقد ترافع موسى عن الشعب أمام القضاء الإلهى, وفى مرافعته دفع ببساطة شديدة بأن إهلاك الشعب لن يكون لمجد الرب أمام الشعوب, وأن اسمَ الرب الذى دُعِىَ على هذا الشعب لا بد أن يتمجد بهم وبوجودهم.
مرافعة بسيطة منطقية ومُتْقَنَة جِدّاً.
وتشفع أيضاًعندما تذمرالشعب عليه هو وهارون, وأرسل هارون ليصعد بخوراً للتشفع, فاستجاب الرب.
صدمة موسى وتحطيم لوحى الشريعة:-
وعندمانزلموسىمنعلىالجبلكانلوحاالشريعةفييده،مكتوبينعلىجانبيهماواللوحانصنعةالله،والكتابةكتابةاللهمنقوشةعلىاللوحين.وعندمااقتربموسىمنمعسكربنيإسرائيلأبصرالعجلالذييعبدونه،ورآهميرقصونأمامه،فغضبغضباًشديداً،وطرحاللوحينمنيديهوكسَّرهمافيأسفلالجبل. ثمأخذالعِجلالذيصنعوهوأحرقهبالنار،وطحنهحتىصارناعماً،وذرَّاهعلىوجهالماءثمسقىبنيإسرائيل.ووبخموسىهارونأخاهتوبيخاًشديداً،لأنهخضعلمطالببنيإسرائيل،وصنعلهمالعجلالذهبي.
وبعدذلكأمرموسىبنيلاويأنيقتلواكلالذينرفضواأنيعودواإلىعبادةاللهواستمروايعبدونالوثن،فقتلموسىنحوثلاثةآلافرجلأصرُّواأنيستمروافيعبادةالأوثان.
البرقع على وجه موسى:-
"ولما فرغ موسى من الكلام معهم جعل على وجهه برقعا, و كان موسى عند دخوله امام الرب ليتكلم معه ينزع البرقع حتى يخرج ثم يخرج و يكلم بني اسرائيل بما يوصى, فاذا رأى بنو اسرائيل وجه موسى ان جلده يلمع كان موسى يرد البرقع على وجهه حتى يدخل ليتكلم معه" (خر 34: 33-35).
بعد المرة الثانية التي مكث فيها موسى على الجبل، عندما نزل من الجبل كان جلد وجهه يلمع (خر 34: 29- 35) مما جعل هارون وجميع الشعب يخافون أن يقتربوا إليه… "فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الكَلامِ مَعْهُم، جَعَلَ علَى وجْهِهِ بُرْقُعاً " (خر 34: 33). ويعطينا الرسول بولس تفسيراً لهذا بالقول: "وليْسَ كمَا كانَ موسَى يَضَعُ بُرْقُعَاً علَى وَجْهِهِ لكَي لاَ يَنْظُرَ بَنو إِسْرَائِيل إلَى نِهَاية الزَّائِلَ" (2 كو 3: 13)، حيث أنه وهو في محضر الله كان جلد وجهه يلمع في كلامه معه، من انعكاس بهاء محضر الله على وجهه ( بمقارنة: مت 17: 2، أع 9: 3، رؤ1: 14).
إقامة خيمة الإجتماع:-
صعدموسىإلىالجبلبناءًعلىاستدعاءالله،وهناكأعطاهاللهتفصيلاتالمسكنالذييجبأنيبنيهليتعبَّدفيه الشعب. وأعطىاللهموسىتفصيلاتكاملةعنطرقالبناء،وأنواعالموادالتييستخدمهافيالبناء.وأمرموسىالشعبأنيقدمواللهمايملكونمنالموادالمختلفةلبناءالمسكنالذيسيُستخدمللعبادة,والمذبح المقدس الذى ستقدم عليه الذبائحإلىاللهشكراً له على كل أعمال صلاحه مع الشعب.( خروج35).
وقد مَيَّزَ الوحى المقدس مذبح الله عن مذابح آلهة الأمم, وفى العهد الجديد عندما ذكر مذبح الإله المجهول فى آريوس باغوس (اع17: 23) استخدم كلمة (فوموسVomoss ) وقد استخدمها هذه المرة فقط, بينما مذبح الله: (ثيسياستيريون Thyssiastirion)[41] وقد وردت 23 مرة.
إنعبادةالإلهالحقيقيتتطلبمكاناًخاصاًللعبادة،وإذيوضعهذاالمسكنوسطمعسكربنيإسرائيل،يدلعلىأناللهيجبأنيحتلمكانالصدارةفيقلوبشعبه،لأنهيجبأنيسكنوسطشعبه. وقدسُميهذاالمسكن"خيمةالاجتماع"لأنالربيجتمعفيهبشعبه،وقالاللهلموسى: انظر،اصنعهاعلىمثالهاالذيأظهرلكفيالجبل. ويقولكاتبالرسالةإلىالعبرانيين أن هذاواضحمنقولاللهلموسىقبلأنيصنعخيمةالعبادة،إذأوحىإليهقائلاً: انْظُرْأَنْتَصْنَعَكُلَّشَيْءٍحَسَبَالْمِثَالِالَّذِيأُظْهِرَلَكَفِيالْجَبَلِ ) عب8:5).
ولم تكن خيمة الإجتماع ورموز مكوناتها إلاَّ تعبيراً عن المسيح وعمل الفداء بالصليب.
ولقدقدمالشعبموادالبناءتبرعاًواختياراً،فقدطلبالربمنموسىأنيدعوالشعبقائلاً: مِنْكلِّمنيحثُّهقلبُهتأخذونتقدمتي. لذلك فإنبنيإسرائيلكانوايجيئونإلىموسىبكلشيءتبرعاًكلصباح. وقدتبرعالشعببوفرةوسخاء،حتىجاءالمشرفونعلىالعمل،كلالحكماءالصانعينعملالمسكنالمقدس،كلواحدمنعملهالذيهميصنعونه،وقالوالموسى: يَجِيءُالشَّعْبُبِكَثِيرٍفَوْقَحَاجَةِالْعَمَلِلِلصَّنْعَةِالَّتِيأَمَرَالرَّبُّبِصُنْعِهَا )خر36: 5( .
وقد أعطىالله حكمةلرجلينهمابصلئيلوأهوليآب،وعددكبيرمنالصناعالمهرة،ليقوموابتنفيذالنموذجالذىأعلنهاللهلموسىعلىالجبل,بحسبكلماأمرالرب "بِحَسَبِ كُلِّ مَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى هَكَذَا صَنَعَ بنو اِسْرَائِيلَ كُلَّ العَمَلَ " (خر39: 42).فقدأعطىاللهالأوامربخصوصطريقةالبناء،وقدمالشعبموادالبناء،ومنحاللهحكمةمنعندهللذينسينفذونالخطةالمقدسةلينفذواالمثالالذيقدمهلموسى،فأكملواإقامةخيمةالاجتماع،مكانالعبادة. وفييومتدشينالمكانللعبادة، قدمالشعبقرابينكثيرةمتنوعة، تَقْدِمَةًللربإعلاناًلحبهمله. وقد أورد الوحى المقدس جميع تفاصيل العمل فى الأصحاحات:(خر36–39).
مواقف صعبة لموسى :-
** زواجه من المرأة الكوشية : عندما تزوج موسى من المرأة الكوشية واجه انتقادات من أخيه هارون وأخته مريم, وزادا على الانتقاد قولهما: "هَلْ كَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَحْدَهُ؟ أَلَمْيُكَلِّمْنَانَحْنُأَيْضاً؟". وغضب الرب لذلك, واستدعى هارون ومريم الى خيمة الإجتماع وقاللهما: "اسْمَعَاكَلَامِي. إِنْكَانَمِنْكُمْنَبِيٌّلِلرَّبِّ،فَبِالرُّؤْيَاأَسْتَعْلِنُلَهُ. فِيالْحُلْمِأُكَلِّمُهُ. وَأَمَّاعَبْدِيمُوسَىفَلَيْسَهكَذَا،بَلْهُوَأَمِينٌفِيكُلِّبَيْتِي. فَماًإِلَىفَمٍوَعَيَاناًأَتَكَلَّمُمَعَهُ... فَلِمَاذَالاتَخْشَيَانِأَنْتَتَكَلَّمَاعَلَىعَبْدِيمُوسَى؟". وكان أن أصيبت مريم بالبرص, أما موسى فقد صلى وتشفع فيها عند الله حتى ذهب عنها البرص.
** صراع على خدمة مسكن الرب : ثلاثة رجال انتقدوا موسى وهارون أحدهم قورح ابن عمهما،أماالآخرانفهما:"داثان"و"أبيرام". وقالهؤلاءالثلاثةلموسىوهارون: "كفاكما, إنكلالجماعةبأسرهامقدسةفيوسطهاالرب. فمابالكماترتفعانعلىجماعةالرب؟. وانضمإلىهؤلاءالثلاثةمئتانوخمسونمنقادةبنيإسرائيل. فطلبموسىمنالثائرينضدهأنيأتيكلواحدمنهمبمجمرتهويضعفيهابخوراً،كماأنهارونوبنيهيأتونبمجامرهمويضعونفيهابخوراً،ثميقفونأمامبابخيمةالاجتماعمعموسىوهارون،وينتظرونجميعاًأنيعلنالربعنالشخصالذياختارهلخدمته. فَقَالَالرَّبُّلِمُوسَىوَهَارُونَ افْتَرِزَامِنْبَيْنِهذِهِالْجَمَاعَةِفَإِنِّيأُفْنِيهِمْفِيلَحْظَةٍ,فخرَّموسىوهارونعلىوجهيهماوقالا: اللّهُمَّإِلهَأَرْوَاحِجَمِيعِالْبَشَرِ،هَلْيُخْطِئُرَجُلٌوَاحِدٌفَتَسْخَطَعَلَىكُلِّالْجَمَاعَةِ؟فَقَالَالرَّبُّلِمُوسَى: كَلِّمِالْجَمَاعَةَقَائِلاًاطْلَعُوامِنْحَوَالَيْمَسْكَنِقُورَحَوَدَاثَانَوَأَبِيرَامَ,وكانأنالأرضانفتحتوابتلعتهؤلاءجميعاًأحياءإلىالهاوية،حتىارتعبالناسالمحيطونبهمقائلين:"لَعَلَّالأَرْضَتَبْتَلِعُنَا",وَخَرَجَتْنَارٌمِنْعِنْدِالرَّبِّوَأَكَلَتِالْمِئَتَيْنِوَالْخَمْسِينَرَجُلاًالَّذِينَقَرَّبُواالْبَخُورَ(عد16: 21- 35).
وهناتذمركلجماعةبنيإسرائيلعلىموسىوهارونقائلين: أنتماقتلتماشعبالرب . فذهبموسىوهارونإلىخيمةالاجتماعفغطتهماالسحابةرمزاًلحضورالربفيها،وقالالربلموسىوهارون: اطلعامنوسطهذهالجماعة،فإنيأفنيهمفيلحظة. فخرموسىوهارونعلىوجهيهما،وقالموسىلهارون: خذالمجمرةواجعلفيهاناراًمنعلىمذبحالرب،وضعبخوراً،واذهببهمامسرعاًإلىبنيإسرائيلوكفِّرعنهم،لأنالربقدغضبعليهمغضباًشديداً،وبدأيضربهمبالوبأ: فاستجاباللهوامتنعالوبأعنالشعب.
وقالالربلموسى: علىكلرئيسمنرؤساءأسباطإسرائيلأنيأتيبعصا،ويكتبكلواحداسمهعلىعصاه،واسمهارونتكتبهعلىعصالاوي،ولتوضعهذهالعصيكلهافيخيمةالاجتماع،والرجلالذييختارهالربتُخرجعصاهاليابسةأغصاناًخضراء, وفعلواذلك(عد 17: 1- 5 ).
وفياليومالتاليدخلموسىإلىخيمةالاجتماعوإذاعصاهارونقدأفرخت,أخرجتأغصاناًوأزهرتزهراً،وأنضجتلوزاً.فأخرجموسىجميعالعصيمنأمامالربإلىجميعبنيإسرائيل،فأخذكلواحدمنهمعصاه. هكذا جاء إعلان الرب لهارون وبنيه رعاةً لمسكن الرب وقائمين على شئون بيت الرب.
** ضرب الصخرة بدلاً من أن يكلمها : مرة أخرى موسى يفقد أعصابه, فقدأمَرَهاللهأنيُكَلِّمالصخرةلتُخرجماءيشربمنهالشعبالعطشان،ولكنموسىفيغضبلميكلمالصخرة،بلضربهامرتين.وتقولالقصةإنبنيإسرائيلجاءواإلىبريةسينفيالشهرالأولمنالسنةالأربعينلخروجهممنأرضمصر،وأقاموافي" قادش" فترةطويلة. وهناكماتتمريمأختموسىوهارونودفنوهاهناك.
وربماكانموسىمتأثراًلموتأخته مريم،كماكانمتضايقاًمنهذاالشعبالذيلايشكرأبداً.فجمعموسىوهارونبنيإسرائيلجميعاًأمامالصخرة،وقاللهمفيغضب: اسمعواأيهاالمَرَدَة،أَمِنهذهالصخرةنُخرجلكمماء؟.ورفعموسىيدهوضربالصخرةبعصاهمرتين،فخرجماءغزير،فشربتالجماعةومواشيها.
وقد سبق أن ضَرَبَ موسى الصخرة مرّةً قبل ذلك كما أمره الرب, ولأن الصخرة كانت المسيح كما نقرأ فى (1كو10 : 4) وهو الذى ضُرِبَ إلى الصليب فى عمله الكفارى الذى تم مرةً واحدة؛ لا يُضْرَب أيضاً.
كانت واقعة ضرب الصخرة حداً فاصلاً فى خدمة موسى, فقد قالالربلموسىوهارون: منأجلأنكمالمتؤمنابيحتىتقدسانيأمامأعينبنيإسرائيل،لذلكلاتُدخلانهذهالجماعةإلىالأرضالتيأعطيتهمإياها.وعند هذه الحادثة غضب الله لعدم طاعة موسى لأمره بأن يكلم الصخرة فقط لا أن يضربها كما فعل, وكأن الله قد أحاله للتقاعد عن قيادة الشعب لأنه مع هارون لم يحترما أمر الرب, وأعلناللهعدمرضاهعلىموسى،وأنهلنيستطيعأنيدخلأرضكنعانقائداًللشعب.
الحية النحاسية:-
نتيجة التذمر الذى أبداه الشعب من أكل المن والذى أسموه "الطعام السخيف", والتذمر على ما مر بهم من أحداث طوال أربعين سنة أعالهم وأعاشهم الرب فيها وحماهم من أعدائهم ومن مخاطر كثيرة شديدة بالبرية, قرر الرب تأديب هذا الشعب بالحيات المنتشرة بالصحراء, والتى كانت نارية اللدغ لا ينجو منها من تطاله. وكعادة الرب دائماً؛ أوجد مع التأديب فرصة للنجاة رحمة بشعبه. فأمر موسى بعمل الحية النحاسية لينظر اليها كل من تلدغه الحيات القاتلة, فلا يموت كل من يلتفت اليها.
والحية النحاسية كرمز للرب يسوع المسيح على الصليب, نجد فيها أوجهاً للتشابه؛ منها:-
1. الحيةالنحاسيةكانتعلىشبهالحية الأولىالتيسبَّبتالموت. كذلكتجسَّدالمسيحفى " شِبْهجسدالخطية".الخطيةالتيسبّبتالموتللعالم. جاءالمسيحإلىعالمنامولوداًمنامرأة،مولوداًتحتالناموس.
"فَإِذْقَدْتَشَارَكَالأوْلادُفِياللَّحْمِوَالدَّمِاشْتَرَكَهُوَأَيْضاًكَذلِكَفِيهِمَا،لِكَيْيُبِيدَبِالْمَوْتِذَاكَالَّذِيلَهُسُلْطَانُالْمَوْتِ،أَيْإِبْلِيسَ " )عب2: 14).
2. الحيةالتيرُفعتفيالبريةكانتخاليةمنالسملأنهاكانتمننحاس أى من معدن له مواصفاتٍ تُمَيِّزُه،كذلككانالمسيحمعصوماًمنكلخطيةلأنهالإله المتجسد, وهو على كونه فى الجسد لم يختبر خطية ما, ولم يكن له من نقائص الإنسان ما يناقض قداسة الله المطلقة. أما جميع الأنبياء - موسى وغيره - فهم أيضاً كباقى البشر فى النقائص.
" الجَمِيع زَاغُوا وَ فَسَدُوا مَعَاً لَيْسَ مَنْ يَعْمَل صَلاَحاً لَيْسَ وَ لاَ وَاحِد" (رو3: 12).
3. رُفِعَتالحَيَّةُفيالبريةعلىمرأىمنالناس،كذلكصُلبالربعلىتلةالجلجثة،وهيتلةمرتفعة،فرآهكثيرونمنالبشر.و يمكن لكل من يُصَاب بعمل الشيطان, كلعليلبالخطيةيرفععينيهإليهينالالشفاء،إنهوآمنبكفارتهووضعثقتهفيه.
ولقدوردتكلمة "رفع" فى كلمات الرب يسوع عن نفسهفيانجيليوحنا مثلاً ثلاثمرات :-
- " وكما رفَعَ مُوسَى الْحَيَّة في البرِيَّة هكذا ينْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ اِبْنَ الانْسَان" (يو 3: 14).
- " فقالَ لهُم يَسُوعَ متَى رَفَعْتُم اِبْنَ الاِنْسَان فَحِينَئِذ تَفْهَمُونَ أَنِّي أَنَا هُو" (يو 8: 28).
- " وَ أنَاَ إِنْ إِرْتَفَعْتَ عَنْ الأَرْضِ أَجْذِبُ إليَّ الجَمِيعَ " (يو 12: 32 ).
فيكلمرةمنهاتشيرإلىالصليبوالمجدالذييليه. وفيهذهالمراتالثلاثنطقبهاالرب يسوعالمسيحعننفسه،فكانصليبالمسيحرِفْعةًله،يتَمَجَّدبه،ليراهكلُّخاطئٍمتعَببخطاياه،وكلُّمنلدغتهأفعىالخطية،لينالالخلاص.
4. النظربالعينالماديةكانواسطةالشفاءمنلسعةالحية. والنظرالروحيبالإيمانللمسيحالمصلوبهوواسطةالشفاءالروحي.وكلمنينظرإلىالمسيحالمصلوبمنأجلخطاياهينالغفرانالخطية.
"التَفِتُوا إليَّ و اخْلُصُوا يا جَمِيعَ أَقَاصِي الأَرْض لأَنِّي أَنَا الله وَ لَيْسَ آخَر" (اش 45 : 22)
"نَظَرُوا إلَيهِ و اسْتَنَارُوا و وجُوهُهُم لم تَخْجَل" (مز 34 : 5).
الفصل السابع
نهاية الخدمة ووصايا الوداع
***
مراجعة وترتيب إستعداداً للرحيل:-
قاربت خدمة النبى العظيم نهايتها, وهو الآن فى سنوات عمره المئة وعشرين, وعليه أن يرتب أحوال الشعب روحياً ويوصيه بما ينفعه, وما يحفظ شريعة إله آبائه الذى أصعد الشعب من أرض العبودية بيد مقتدرة. وتنقسمخطاباتموسىالوداعيةإلىثلاثةأقسام:-
- القسمالأول: يشملالأصحاحاتالثلاثةالأولىمنسفرالتثنية،وهيتذكرماصنعهاللهلبنيإسرائيلمنذخروجهممنمصرإلىآخرالسنةالأربعينالتيشهدتنهايةرحلاتهمفيصحراءسيناء.
- القسمالثاني: يكررالشرائعالتيأعطاهااللهلشعبه: منالأصحاح4إلىالأصحاح26 .
- القسمالثالث: هوتكرارالشريعةالأخلاقية،ويقع فىأربعةأصحاحاتمن27إلى30.
نبوءة عن المسيح:-
تحتويخطاباتموسىالأخيرةعلىنبوءةبمجيءالرب يسوعالمسيحقالفيها: "يُقِيمُلَكَالرَّبُّإِلهُكَنَبِيّاًمِنْوَسَطِكَمِنْإِخْوَتِكَمِثْلِي, لَهُتَسْمَعُونَ... قَالَلِيَالرَّب ُّ...أُقِيمُلَهُمْنَبِيّاًمِنْوَسَطِإِخْوَتِهِمْمِثْلَكَ،وَأَجْعَلُكلامِيفِيفَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْبِكُلِّمَاأُوصِيهِبِهِ, وَيَكُونُأَنَّالإِْنْسَانَالَّذِيلاَيَسْمَعُلِكَلامِيالَّذِييَتَكَلَّمُبِهِبِاسْمِيأَنَاأُطَالِبُهُ.(تث18: 15 –19).
وقد جاءفيسفرأعمالالرسلالأصحاحالثالث: فإنموسىقالللآباءإننبياًمثليسيقيملكمالربإلهكممنإخوتكم،لهتسمعونفيكلمايكلمكمبه."أَنْتُمْأَبْنَاءُالْأَنْبِيَاءِ،وَالْعَهْدِالَّذِيعَاهَدَبِهِاللّهُآبَاءَنَاقَائِلاًلإِبْراهِيمَوَبِنَسْلِكَتَتَبَارَكُجَمِيعُقَبَائِلِالأرْضِ. إِلَيْكُمْأَوَّلاً،إِذْأَقَامَاللّهُفَتَاهُيَسُوعَ،أَرْسَلَهُيُبَارِكُكُمْبِرَدِّكُلِّوَاحِدٍمِنْكُمْعَنْشُرُورِهِ " )اع 3: 25,26 ).
نَبِيّاً مِثْلى؛ التَشَابُه مع الرَّبِّ يسُوعَ :-
هناكأوجهشَبَهفريدةبين الرب يسوع المسيح و موسىيختلفانفيهاعنسائرالبشر.
وبمقارنة وتدقيق النصوص الكتابية نستنتج التشابه المقصود بوضوح.
وعلينا أن نختبر هذه النقاط للتشابه مع حالة أى شخص آخر يمكن إفتراض القصد من النبوءة له :-
· عندولادةموسىهددفرعونبقتله.وعندولادةالمسيحهددهيرودسبقتله. وليسكلالناسيتهددونبالموتعندميلادهم.
· أثناءالطفولةقدمتابنةفرعونالحمايةلموسى.أماالمسيحفقدحماهخطيبأمه "يوسف". ولاينالكلالناسحمايةعندطفولتهممنأشخاصيعيّنهماللهللقيامبذلكعندمايقععليهمالتهديدبالقتل.
· عاشموسىطفولتهفيمصر،بعيداًعنوطنه. وقد حدثالشينفسهمعالمسيح،فقدتركوطنهإلىمصر. (وتتحقق فيه نبوءة: من مصر دعوت ابنى). ولايهربكلالأطفالإلىمصرفيطفولتهم.
· لماخدمموسىاللهمنحهقوةإتيانالمعجزات، وهكذاالمسيحكلمةاللهالحيالذيلهقوةاللهليجري العديد منالمعجزات،فشفىالمرضى, بلوأقامالموتىمنقبورهم.) على مرأى ومسمع من جموع غفيرة, حتى أعدائه ومخالفيه, وفى عدة مرات وعدة ظروف ومناسبات, وبأحداث واضحة صريحة علنية بلا لبس, ولم يجد أعداؤه أية حجة لتفنيد أو إنكار ما رأوه عياناً جهاراً).
· حرّرموسىبنيإسرائيلمنعبوديةالمصريين،وحرّرالمسيحمنيتبعونهمنأغلالالشروالموت, فقد إنتصر على الموت.
الحرص على اختيار الخليفة لرعاية الشعب:-
لقد اهتم موسى بوجود من يخلفه لرعاية الشعب, وكان حريصاً على أن يقيم الرب خلفاً صالحاً يهتم ويكون أميناً على أمور شعب الرب. وقد طلب موسى من الرب أن يختار هو لأنه العليم بنفوس جميع البشر, ويعلم من يصلح للمهمة: " لِيُوَكِّلِالرَّبُّإِلهُأَرْوَاحِجَمِيعِالْبَشَرِرَجُلاًعَلَىالْجَمَاعَةِيَخْرُجُأَمَامَهُمْوَيَدْخُلُأَمَامَهُمْوَيُخْرِجُهُمْوَيُدْخِلُهُمْ،لِكَيْلَاتَكُونَجَمَاعَةُالرَّبِّكَالْغَنَمِالَّتِيلَارَاعِيَلَهَا " (عد 27: 15 –23).
وقد طلب موسى ذلك من الرب عندما أخبره الرب بنهايته وقال له أن يصعد الى الجبل ليرى الأرض التى وعد بها الرب لكنه لن يدخلها, كما مات هارون قبل أن يدخلها أيضاً, لأنهما لم يقدسا الرب عند الصخرة التى أمره الله أن يكلمها فى برية صين, لكنه ضربها ليخرج الماء منها. " وقال الرب لموسى اصعد الى جبل عباريم هذا و انظر الارض التي أعطيت بني اسرائيل, و متى نظرتها تضم الى قومك انت ايضا كما ضم هرون اخوك, لانكما في برية صين عند مخاصمة الجماعة عصيتما قولي ان تقدساني بالماء امام اعينهم ذلك ماء مريبة قادش في برية صين".(عد 27: 12-14). فلم ينشغل موسى بنهاية حياته, ولم يجعله حزنه ينسى واجبه, ولم يتضايق لعدم استطاعته دخول الأرض الموعودة بعد كل هذا الكفاح والمعاناة, بل اهتم بعمل الرب واهتم بتدبير أمور الشعب بعد غيابه.
ووقع الإختيار على يشوع بن نون لخلافة موسى, وقدمه موسى لمسحه قائداً للشعب وأوصاه للتشجيع, وباركه قبل أن يصعد الى الجبل لينظر الأرض التى اشتهى دخولها ثم ينضم إلى آبائه:" تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ لِأَنَّكَ أَنْتَ تَدْخُلُ مَعَ هذَا الشَّعْبِ الأرْضَالَّتِيأَقْسَمَالرَّبُّلآبَائِهِمْأَنْيُعْطِيَهُمْإِيَّاهَا. وَأَنْتَتَقْسِمُهَالَهُمْ. وَالرَّبُّسَائِرٌأَمَامَكَ. هُوَيَكُونُمَعَكَ. لايُهْمِلُكَوَلايَتْرُكُكَ. لاتَخَفْوَلاتَرْتَعِبْ" (تث 31 : 7, .
ومات موسى عبد الرب:-
هكذا جاءت نهاية رجل الله بعد 120 سنة عمل وعبادة وتشريع وقيادة ورعاية للشعب؛ حياة حافلة باختبارات عظيمة, تَكَوَّنَ على يديه شعب الله وعرفَه الربُّ وجهاً لوجهٍ, ظل يبذل كل ما يستطيع ولم تكل عيناه ولم تذهب نضارته, مات كريماً عزيزاً فى عين الشعب, ودفنه الرب.
"وقَالَ لَهُ الرَّبُّ هَذِهِ هِيَ الأَرْض الَّتِي أقْسَمْتَ لإِبْرَاهِيمَ و إِسْحَقَ و يَعْقُوبَ قائِلاً لِنَسْلِكَ أُعْطِيهَا قد أَرَيتُكَ إِيَّاها بِعَيْنَيكَ ولَكِنَّكَ إلَى هُنَاكَ لاَ تَعْبُرَ, فمَاتَ هُناكَ مُوسى عَبْدُ الرَّبَّ في أرْضِ مؤَابَ حَسَبَ قَوْلِ الربَّ, ودَفَنَهُ فِي الجوَاء في أرضِ مؤَابَ مُقابِلَ بيتِ فَغُورَ ولَم يَعْرِفَ انْسَانٌ قَبْرَهُ إلَى هذا اليَوْمِ, وكانَ مُوسَى ابنِ مِئةٍ وعِشْرِينَ سَنَةٍ حينَ مَاتَ ولَم تَكِلّ عَيْنُهُ ولاَ ذَهَبَت نَضَارَتُهُ" ( تث34: 4-7).
وانتهت حياة موسى الذى لم يقم مثله فى شعب الأنبياء, إنتهت الملحمة التى أسماها الروح القدس[42] "أسلوب مصر" (اش10: 24, 26), والتى وقف فيها موسى قائداً لشعب الله أمام قوة مصر وفرعونها, واستخدمه الرب للإنتصار على قوى الشر. وقد تولى الرب بنفسه دفنه فى الجواء في أرض موآب مقابل بيت فغور, ولم يُعْرَف قبْرُه إلى اليوم (تث34 : 6)
رئيس الملائكة يتصدى لإبليس :-
تخبرنا رسالة يهوذا فى العهد الجديد (يه: 9) عن صراع دار بين ابليس ورئيس الملائكة ميخائيل الذى دافع عن جسد موسى, ويذكر النص المقدس أن موقف ميخائيل لم يكن إفتراءً بل قال: لينتهرك الرب "وأما ميخائيل رئيس الملائكة فلما خاصم إبليس مُحَاجّا عن جسدِ موسى لم يَجْسُر أن يورِدَ حُكْمَ إفتراء بل قال لينتهرك الرب"(يه: 9). ولا يذكر الوحى المقدس تفاصيل أخرى عن هذا الموقف ولا عن خلفيات وكواليس صراع القوى الروحية فى مثل هذا الحادث.
ونفهم من الموقف؛ محاولة خبيثة من ابليس لكشف مكان جسد موسى لليهود, مما يجعلهم يفتتنون بتبجيله ويشغلهم عن شخص الله, بل ربما أكثر من ذلك الى درجة عبادته بدلاً من عبادة الله.
الفصل الثامن
نظرة عامة وتأملات فى حياة وأعمال موسى
***
امتلأت حياة موسى بدروس عظيمة, ويستطيع مَنْ يَتأمَّلَها ببساطة قلب أن يستشعر فيها أطيب المعانى, ومن يدرسها بتخصص أن يُخْرِجَ منها كُنُوزاً روحيةً رائعةً, ولم يَفْتُر بَعْدُ عزمِ رجَالِ الله المعاصرين فى بحثِ حياة موسى واستخراج العِبَر والمُثُل القَيِّمَة.
تَميَّزَت شخصية موسى بعدة صفات منها :-
- موسى عبد الرب الأمين : نستطيع أن نلمس أمانة موسى وإخلاصه على امتداد أسفار الكتاب المقدس, إذ كانموسىكاملالولاءلله،وكانتأمانتهلربهفيتحقيقمايأمرهبهدائماًوأبداًمثلاًأعلىللمؤمنين.
فعندماكانفيمصركانيقدمعبادتهللهالواحد, حيث زرعت فيه أمه يوكابد معرفة الله،معأنالمصريينكانوايعبدونآلهةكثيرة.
وعندماذهبإلىمديانكانيفكرفياللهتفكيراًيملكعليهعقله،حتىأنهسمىابنهالثانيأليعازرلأنهقال: "إلهُأَبِيكَانَعَوْنِيوَأَنْقَذَنِيمِنْسَيْفِفِرْعَوْنَ" (خر18 :4).
وعندمادعاهاللهليخدمهبدأيطيعأوامرالله،ونفَّذتعليماتهتنفيذاًحرفياًبكلقلبه.
يقولكاتبالرسالةإلىالعبرانيينإنموسىكانأميناًفيكلبيتالله،ولكنبصفتهخادماً،وكانذلكشهادةفيماأعلنهاللهفيمابعد.
وكانتوصاياموسىلشعبهدائماًبالطاعةالكاملةلله. وعندماكانوايتذمرونعليهيقوللهم: لماذاتجربونالله؟وقاللهممرة "لماذاتتجاوزونقولالرب؟الربإلهكتتقي،إياهتعبدوبهتلتصق.هوصخركوهوإلهكالذيصنعمعكتلكالعظائموالمخاوفالتيأبصرَتْهاعيناك". وكثير من النصح لشعب إسرائيل فى هذه الشواهد (تث10 : 20), (تث11 : 22), (تث 13 : 4 ), (تث 30 : 20).
تميز موسى فى طاعته وأمانته لله عن غيره من رجال الله مثل أخنوخ وابراهيم وميزه الوحى الإلهى فى وصف سلوكه[43] :
أخنوخ : سار مع الله ( تك 5 : 22 , 23 ).
ابراهيم : سار أمام الله ( تك 17 : 1 ).
موسى : سار خلف الله ( تث 13 :4 ).
- موسى الراعى الشهم : لميكنموسىيحتملأنيؤذيأحداً،وكانيمديدالعونللجميع.وحتىعندماأقبلعلىقتلالمصريفعلذلكلأنهوجدالمصرييعتدىعلىالعبراني. وعندماذهبإلىمديانرأىسبعبناتأتينليسقينغنمأبيهن،ورأىالرعاةيطردونهن،فأنجدهنوسقىغنمهن. وعندماثارالشعبضدهفيمراتكثيرةكانيقفليتشفعفيالشعبالخاطئأمامالله.
- موسى الحليم : تشهدعنه نصوص الوحى المقدس : "وأماالرجلموسىفكانحليماًجداً،أكثرمنجميعالناسالذينعلىوجهالأرض" (عد12 : 3). إنموسىيقدملنانموذجاًفيالغفرانومحبة واحتمالالذينيسيئونإليه.
- موسىالمؤمن: رجلالإيمان, توضح الرسالة الى العبرانيين الدافع الإيمانى لدى موسى:-
بالإيمان موسى لما كبر أبى ان يدعى ابن ابنة فرعون (عب 11 : 24).
بالإيمان ترك مصر غير خائف من غضب الملك لانه تشدد كانه يرى من لا يرى (عب 11 : 27).
بالإيمان صنع الفصح و رش الدم لئلا يمسهم الذي أهلك الأبكار (عب 11 : 28).
- يقولكاتب الرسالة إلى العبرانيينعنه: بالإيمانموسىلماكبررفضأنيُدعىابناًلابنةفرعون،بلاختارأنيتحمل المشقةوالمذلَّةمعشعباللهبدلاًمنالتمتعبحياة الأمراء الفراعنة بما فيها من خطايا الوثنية وغيرها.فلقداعتبرأنتلقيالإهانةمنأجلالمسيحالآتي الذى رآه بعين الإيمان بوعود الله،ثروةأعظممنكنوزمصر الوقتية رغم بريقها،لأنهكانيتطلعإلىالمكافأة.بالإيمانتركأرضمصروهوغيرخائفمنغضبالملك،فلقدمضىفيتنفيذقرارهكأنهيرىبجانبهاللهغيرالمنظور.كانإيمانموسىباللهمطلقاًوكانتثقتهفياللهكاملةوعظيمةوقوية، فإنكانإبراهيمأباالمؤمنين،فإنموسىنموذجالمؤمنين. كانالربيكلمموسىوجهاًلوجه،كمايكلمالرجلصاحبه,لأنهصاحبالإيمانالكبيرالكاملبالله.
- موسىخادمالآخرين : وأيضاً هذه الصفةالعظيمةفي شخصيةموسى،هيأنهلميكنيفكرفينفسه،لكنفيغيرهدائماً. أعطته النشأة الأولى على يد أمه يوكابد شِبَعاً كاملاً فلم يكن بحاجة لإشباع ذاته, ولم تكندوافعهلعظمتهالشخصيةولالشهرته، لكنلخدمةاللهوخدمةالآخرين. فلم يكن هَيِّناً أنّهذاالأميرالمصريالعظيمالمثقفيصبحفجأةراعياًللأغنامفيمديان يرعى غنم الرجل الذى استضافه وآواه؟وبعدأربعينسنةمنعيشتهفيقصرفرعونيعيشأربعينسنةفيالصحراء،يرعىأغنام حميه كالأجير الفقير.
- موسى المحب لغيره المتشفع فى الآخرين: وتظهرمحبةموسىلغيرهوهويدفعأخاههارونليكونقائداً، بلإنهيصليللهطالباًأنيمحواللهاسمهمنكتابهالذيكتبفيسبيلالغفرانلإخوته، فكانأنأكرمهاللهبأنأبقىاسمهخالداً. لميطلبموسىلنفسهاسماًمشهوراً،ولامكانةلأولاده،ولميعيِّنخليفتهمنأفرادأسرته، لكنهتحتالإرشادالإلهياختاريشوعليخلفه، فاستحقاللقبالذيأطلقتهالتوراة "موسىرجلالله.. موسىعبدالرب"(تث 34 : 5). وأنيلقبهكاتبالمزاميربقوله "موسىمختارالرب" (مز 106: 23). لقد وقف موسى أمام الرب متشفعاً فى الشعب : "والآن إن غفرت خطيتهم والا فامحني من كتابك الذي كتبت"(خر32 :32).
موسى فى أسفار العهد القديم:-
موسى في سائر أسفار العهد القديم : يذكر اسم موسى أكثر من 600 مرة في أسفار الخروج – التثنية ، ونحو 133 مرة في باقي أسفار العهد القديم، منها 57 مرة في سفر يشوع. وأهم هذه الإشارات: يش 8: 30- 35، 24: 5 - 1 صم 12: 6-8 - 1 أخ 23: 14- 17 - مز 77: 20 99: 6، 105، 106 - إش 63: 11و12 - إرميا 15: 1 - دانيال 9: 11-13 - ميخا 6: 4 ملاخي 4:4 - هوشع 12: 13 (حيث لا يذكر اسم موسى صراحة).
وأينما ورد اسم موسى فى العهد القديم فإنه يلقى التقدير سواء فى التعبير المُستخدم عندذاك أو المناسبة التى يُذكر فيها.
موسى في أسفار العهد الجديد : -
كان كل اليهود والمسيحيين - في عصر الرسل- يؤمنون بأن موسى هو كاتب التوراة (الأسفار الخمسة)، كما نرى ذلك في "شريعة موسى" (لو 2: 22)، "وأوصى موسى" (مت 19: 7)، "لأن موسى قال" (مر 7: 10)، "وكتب موسى" (مر 12: 19). وكلها أدلة على صحة ارتباط اسمه بالأسفار المنسوبة إليه. ويذكر اسم موسى في العهد الجديد أكثر من اسم أي شخصية أخرى من شخصيات العهد القديم إذ يذكر 79 مرة، وبخاصة لدوره في إعطاء الشريعة (مت 8: 4، مرقس 7: 10، يو 1: 17، أع 15: 1). ويظهر موسى على جبل التجلي مع الرب يسوع ممثلاً لناموس العهد القديم، مع إيليا ممثل الأنبياء (مت 17: 1-3).
كما يذكر موسى كنبي ، فقد تنبأ بمجئ المسيا وآلامه (لو 24: 25- 27، أع 3: 22). كما يستشهد العهد الجديد بالكثير من حياة موسى واختباراته كنماذج للحياة في العهد الجديد. وقصة ميلاد المسيح بها الكثير من وجوه الشبه مع قصة ميلاد موسى، فكلاهما نجا في طفولته من خطر القتل (مت 2: 13- 18- مع خر 2: 1- 10). كما أن موعظة المسيح على الجبل، تقابل إعطاء موسى للشريعة على جبل سيناء (مت 5-7)، فهى تقدم الرب يسوع كصاحب السلطان في إعلان مشيئة الله. ونجد فى رسالة غلاطية مقارنة بين الناموس القديم، والعلاقة الجديدة مع الله في المسيح يسوع. والمقابلة بين موسى والمسيح موضوع بارز في الرسالة إلى العبرانيين (3: 5و6، 9: 11-22). ويقول الرسول يوحنا: "الناموس بموسى أعطى، أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا" (يو 1: 17). كما يقول إن المن النازل من السماء في البرية، كان رمزاً للرب يسوع المسيح, خبز الحياة الحقيقي النازل من المساء (يو 6: 30- 35).
وهناك إشارات عديدة إلى موسى أو إلى أحداث ترتبط به، مثل مولده (أع 7: 20، عب 11: 23)، والعليقة المشتعلة(لو 20: 37)، وسحرة مصر(2 تي 3: ، والفصح(1 كو 5: 7 ، عب 11: 28)، والخروج(1 كو10: 1 ,2 ,عب 3: 16)، وعبور البحر الأحمر(1 كو10: 1 ، عب11: 29)، والمن(1 كو 10: 3)، والمجد على وجه موسى(2 كو 3: 7-18)، والماء من الصخرة (1 كو 10: 4)، والحية النحاسية (يو 3: 14)، وترنيمة موسى (رؤ 15: 3).
موسى كاتب الأسفار الخمسة:-
** موسى هو كاتب التوراة (الأسفار الخمسة) وقد توارث اليهود هذه المعلومة عن أصل الكتب الخمسة ووثقوا فى صحة نسبها لموسى، كما نرى ذلك في الإشارات العديدة بكل من:
- العهد القديم مثل:(يش 8: 30- 35، 24: 5 ),(1 صم 12: 6-8 ),(1 أخ 23: 14- 17),(مز 77: 20 , 99: 6، 105، 106),(إش63: 11و12 ),(إر15: 1),(دا 9: 11-13),(مى6: 4 ) و(ملا 4:4 )
- وفى العهد الجديد ترد بعض التعبيرات مثل: "شريعة موسى" (لو 2: 22)، "وأوصى موسى" (مت 19: 7)، "لأن موسى قال" (مر 7: 10)، "وكتب موسى" (مر 12: 19).
وتكررت عبارة "موسى والأنبياء" وعبارات أخرى تقيم سنداً من كتب موسى, وكلها أدلة على صحة ارتباط اسمه بالأسفار المنسوبة إليه.
** تدل جميع الإشارات بأسفار العهد الجديد على:-
- ثقة أهل العصر الرسولى الأول فى صحة نسب الكتب الخمسة لموسى.
- سلامة وحى هذه الكتب.
- جميع ما سبق من أجيال اليهود كان له نفس الرأى والموقف.
- الأجيال السابقة حفظت واحترمت وتعلمت من هذا التراث الكتابى.
- قام العديد من الدارسين اليهود بفحص ودراسة الكتب بتدقيق بل مغالاة فى التدقيق حتى اللفظى لكل كلمة.
** تمت كتابة الأجزاء التى تحدثت عن موت موسى ونهاية أعماله بواسطة كتاب آخرين لايذكر الوحى المقدس عنهم شيئاً, لكن لم يكن هناك شك فى صدق مصدرها الإلهى والوحى بها لدى القدماء وعلى مر العصور حتى إتخذت أسفار موسى صورتها النهائية على يد عزرا فى القرن الرابع قبل الميلاد.
إشكالية تداخل نصوص الوحى والتراث الأدبى والأسطورى:-
هذه النقطة بالتحديد تشكل أهمية قصوى لدى كل باحث فى صحة نصوص الوحى المقدس عموماً وليس فقط أسفار موسى, وهى بكل تأكيد حجر زاوية مما يقوم عليه الإيمان المسيحى, ولا أرى أهمية أخرى للبحث فى جوانب الإيمان المسيحى تعادل أهمية هذا الأمر. وليس من الإنصاف أن نبتر هذا الموضوع أو أن نختزله فى فقرة فى سياق البحث فى إتجاه آخر, بل يليق أن يتسع المجال للأمر فى عمل مستقل.
وقد ذهب عدد من الباحثين إلى أنه بتحليل النصوص وتطبيق قواعد النقد الأدبى لنصوص كتب موسى الخمسة, فإن هذه الكتب ليست بنت لحظة عمل واحد[44] بل هى انتاج تراث ثقافى روحى, وقد إكتشف النقد الأدبى- كما ترى هذه المدرسة- وجود أعمال أدبية مختلفة بل مجموعات من المؤلفين.
وقد تم تقسيم نصوص الكتب الخمسة حسب إنتمائها- برأى هذه المدرسة- الى ثلاثة إنتماءات:
1. نصوص يهوية: وهى التى يرد فيها إسم الله بصيغة "يهوة", وهى تتضمن الإستعانة بالقصص الأدبى والأسطورى لتوصيل المعنى, فقد استعانت بأساطير وصور ورموز أدبية مصرية وبابلية. كما أن هذه النصوص تربط الأحداث التاريخية بعضها ببعض وتنظمها فى إطار مشروع الله بواسطة نظرية "السببية الدينية" أو "الغائية الدينية" التى تكشف فى كل حدث منفرد عن القصد الإلهى العام الشامل. ويذهب أصحاب هذه المدرسة إلى أن هذه النصوص قد وُضِعَت فى عصر سليمان(القرن العاشر ق.م.).
2. نصوص إيلوهية: وبها مجموعة من النصوص يطلق عليها "الوثيقة الإيلوهية" لإستعمالها كلمة "إيلوهيم", وتمتاز هذه النصوص بالنزعة الأخلاقية فى أسلوب قصصى بسيط, ويشدد على أهمية الشريعة, ويلح على كون الله روحاً لا يُرَى وعلى ضرورة العبادة الروحية, كما يركز على العهد الذى قطعه الله مع الشعب.
3. نصوص كهنوتية: وتمثل تراث الفئة الكهنوتية التى عاشت فى بابل لدى السبى (586-538 ق.م.), ويشدد على الطقوس الموروثة والتراث القديم باعتبارهما الواقى من تأثير العبادات الوثنية فى الأرض الغريبة وقت السبى. ويتضح فيها فكرة العهد حيث قطع الله مع الناس ثلاثة عهود؛ بين الله وجميع البشر عند نوح, ثم بين الله وابراهيم, ثم بين الله والشعب على يد موسى.
هكذا نرى أهمية التدقيق فى هذا الطرح ومن ثَمَّ ضرورة إفراد بحث بإتجاه مستقل لدراسة وتوضيح مدى سلامة النصوص المقدسة من غزو مُفتَرَض للأدب الأسطورى القديم أو تأثُّر النص المقدس بالتراث الأدبى الإنسانى عبر التاريخ.
ويَبْقَىَ أنَّ موسى هو رجل الله الذى جاءت على يديه الشريعة والإعلان الإلهى المكتوب, ويدين له اليهود وكل البشر بالفضل فى وجود التوراة وما تتضمنه من حق كتابى نؤمن بمصدره الإلهى, وبسلطان الله المعلن فيه, وبوعود الله بالخلاص التى تحققت فى صليب رب المجد يسوع المسيح.
ولم يَقُمْ بَعْدُ نَبِىٌّ في ِإسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى الَّذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وجْهاً لِوَجْهٍ
(تث34: 10)
خاتمة
________
لقد أمضيت وقتاً رائعاً منذ أن بدأت العمل فى هذا البحث المتواضع, وعلى الرغم من تَقَطُّع الوقت الذى كان علىَّ أن أمضيه وعدم تَمَكُّنِى من الإلتزام بتواصلٍ كافٍ للإنجاز حتى مع ما وفَّرَتْه تقنية الحاسب سواء فى الكتابة أو التنسيق, ورغم إرجاء الكثير من الموضوعات الخاصة بأعمال موسى ودوره كمُشَرِّع وككاتب للوحى المقدس والتى لم تنل مساحة كافية, وكنت أتأَسَّى حقاً وأنا مضطر للتوقف والإنشغال بعض الوقت ثم العودة ومحاولة استعادة الجو الذهنى والروحى مرة أخرى, رغم ذلك فقد استمتعت واستفدت كثيراً بالإبحار فى شخصية موسى العظيم والتأمل فى الظروف والعوامل التى صاغت هذه الشخصية, وماكان لموسى من دور فى تاريخ الشعب الإسرائيلى, وما كان له من دور فى تطور مراحل العلاقة بين الله والإنسان؛ من علاقة فردية لأشخاص منفردين إلى علاقة بشعب وأمة, ومن مرحلة ما قبل الناموس إلى مرحلة الناموس والشريعة التى كشفت قصور الإنسان واستحالة وجود الإنسان فى حالة البر الكامل, ومن ثَمَّ احتياج الإنسان لعمل من نوع آخر يعطى التبرير الكامل أمام عرش الله, وقد تحقق بالصليب.
والحق أن شخص كموسى لا يمكن أن يوفيه حقه عملٌ ضئيل تَحُدُّهُ بِضْعُ صفحات, فأعمال موسى وشخصيته وإنجازاته للشعب العبرى ولكل من يؤمن بالإله السرمدى, دوره فى التشريع, ودوره فى إعلان الحق الإلهى المكتوب, كلها موضوعات أكبر من ذلك, وقد يحتاج الأمر وقت يصل إلى سنوات لإستخراج ما يمكن أن يُجَاز كدراسة تليق بشخصية موسى وبدوره فى تاريخ علاقة الله بالإنسان.
أرجو أن أكون قد وُفِّقْت قليلاً أو بالأحرى ألاَّ أكون قد قَصَّرْت بحق ما كان ينبغى أن ينالَ قَدْرَهُ.
المصادر
كُتُب :-
1. اسكندر, زكريا. شخصيات بارزة من مؤمنى العهد القديم. الجزء الأول. مصر: مطبعة كنيسة الإخوة. الطبعة الأولى. 1984.
2. الشعراوى, عبد المعطى. أساطير إغريقية الجزء الأول أساطير البشر. مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1982.
3. المسكين, متى. النبوة والأنبياء فى العهد القديم. مصر: مطبعة ديرأنبا مقار بوادى النطرون. الطبعة الأولى 2003.
4. المسكين, متى. تاريخ إسرائيل من واقع نصوص التوراة والأسفار وكتب ما بين العهدين. مصر: مطبعة ديرأنبا مقار بوادى النطرون. الطبعة الأولى 1997.
5. بتلر,ج.ألفريد. فتح العرب لمصر. تعريب محمد فريد ابو حديد. مصر:الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1989.
6. بندكتى, روبير. التراث الإنسانى فى التراث الكتابى . بيروت لبنان: دار المشرق ش م م. دار خليفة للطباعة. 1988.
7. بهنام, متى. مفاتيح كنوز الأسفار الإلهية. المجلد الأول. جزيرة بدران شبرا. مصر: مكتبة كنيسة الأخوة. مطبعة الفجالة الجديدة. الطبعة الثانية 1967.
8. جدعون, موريس : حلو, حنا : خلف, غسان. المعين . لشرح الألفاظ العسرة فى الكتاب المقدس. بيروت لبنان: دار النشر المعمدانية. مطبعة قلفاط. 1977.
9. سعيد, حبيب. أديان العالم. القاهرة. مصر: دار التأليف والنشر للكنيسة الأسقفية. مطبعة دار الجيل للطباعة بالفجالة 1977.
10. شبل, فؤاد محمد. حكمة الصين دراسة تحليلية لمعالم الفكر الصينى منذ أقدم العصور. الجزء الأول. مصر: دار المعارف. 1967.
11. فرُّوخ, عمر. تجديد التاريخ فى تعليله و تدوينه "اعادة النظر فى التاريخ". بيروت لبنان: دار الباحث. الطبعة الأولى 1980.
12. كرم, يوسف. تاريخ الفلسفة اليونانية. بيروت لبنان: دارالقلم. الطبعة الثالثة.
13. كمال, ربحى. العبرية من غير معلم. بيروت لبنان: دار العلم للملايين. الطبعة السابعة 1982.
14. ماكنتوش, تشارلز. مذكرات على سفر التثنية. شرح الكتاب. مصر: مطبعة كنيسة الأخوة جزيرة بدران. الطبعة الثالثة 1983.
15. ماكنتوش, تشارلز. مذكرات على سفر اللاويين. شرح الكتاب. مصر: مطبعة كنيسة الأخوة جزيرة بدران. الطبعة الرابعة 1980.
16. مشرقى, مكرم. جمان من فضة قاموس أعلام الكتاب المقدس. مصر: مكتبة الأخوة. 2003.
17. ميلاد, جرجس. موسوعة الجيب التفسيرية. كيف بدأت الخليقة. مصر: لجنة خلاص النفوس للنشر. الجزء الأول 2002 .
18. هنرى, كاترين. لمحات من التاريخ فى الكتاب المقدس ملخص كتابين للمؤلفة. تلخيص حبيب سعيد. مصر: دارالتأليف والنشر للكنيسة الأسقفية. مطبعة النيل المسيحية. بدون تاريخ للنشر ويبدو منذ الستينيات.
19. ويلز, ه. ج. . معالم تاريخ الإنسانية المجلد الثانى. ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد. سلسلة الألف كتاب الجزء الثانى 157. مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب. الطبعة الرابعة 1994.
20. يسى, أديب. دراسات فى رسالة العبرانيين. مصر: مطبعة كنيسة الأخوة. 1991.
دَوْرِيَّات :-
1 - سلسلة عالم المعرفة الشهرية. الكويت: المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب. مطابع السياسة.
بارندر, جفرى. المعتقدات الدينية لدى الشعوب. ترجمة امام عبد الفتاح امام. مراجعة عبد الغفار مكاوى. سلسلة عالم المعرفة الشهرية. الكويت: المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب. مطابع السياسة. العدد173. مايو 1993.
2 - فتشوا الكتب. مصر: لجنة خلاص النفوس للنشر.
- بنك, آرثر. قطاف من سفر التكوين. تعريب فؤاد حبيب. مصر:فتشوا الكتب. لجنة خلاص النفوس للنشر. مارس 2002.
- ثاوفيلس, صبحى. ايمان القدماء. مصر:فتشوا الكتب. لجنة خلاص النفوس للنشر. نوفمبر 1996.
- جابر, رياض. أسس التربية المسيحية. مصر:فتشوا الكتب. لجنة خلاص النفوس للنشر. سبتمبر 1988.
- عزيز, مراد. ليالى الكتاب المقدس.( 1 ) فى العهد القديم. مصر:فتشوا الكتب. لجنة خلاص النفوس للنشر. سبتمبر 1994 .
3- طعام وتعزية. مصر: دار الأخوة للنشر. مطبعة الأخوة جزيرة بدران.
- خليل, عصام. أصدقاء الله. طعام وتعزية 2006. قراءة9/3. إصدار 2005.
- رياض, يوسف. إبنة فرعون. طعام وتعزية 2006. قراءة21/9. إصدار 2005.
- سفير, ادولف. إعداد موسى لخدمة الله. طعام وتعزية 2005. قراءة 3/3. إصدار 2004.
- سميث, هاملتون. الإيمان وحياة موسى. طعام وتعزية 2004. قراءة 10/6. إصدار 2003.
- لويس, عونى. موسى. طعام وتعزية 2005. قراءة 11/8.إصدار 2004.
- نويصرى, ميشيل. يوكابد المرأة التى أرضت الرب. طعام وتعزية 2006. قراءة1/6. إصدار2005.
4- مجلة العربى الشهرية الكويتية. وزارة الإعلام بدولة الكويت. القاهرة: مطابع الشروق.
بشارة, عزمى. من يهودية الدولة حتى شارون دراسة فى تناقض الديموقراطية الإسرائيلية. عرض محمد صلاح غازى. مجلة العربى الشهرية الكويتية. وزارة الإعلام بدولة الكويت. القاهرة: مطابع الشروق. عدد فبراير 2006. ص 184إلى 187.
مواد مُحمَّلَة خلال برامج الحاسب Soft Ware :-
1. الأنبا بيشوى, أغناطيوس. القطمارس الإصدار الثالث. النص العبرى. برمجة باسم كرم توفيق.
2. بسيط أبوالخير, عـبد المسيح. هل تنبّأ الكتاب المقدّس عن نبيّ آخر يأتي بعد المسيح. الفصل الرابع. عن نبوءة موسى " يقيم لكم من إخوتكم نبياً مثلى".
3. دائرة المعارف الكتابية. دار الثقافة المسيحية. إصدار خاص ببرامج الحاسب. فلاش ماكروميديا. برمجة أمجد نبيل أبادير.
4. عبد النور, منيس. موسى كليم الله. ملف pdf .
5. على, جواد. المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام. فصول عن علاقة العبرانيين بالعرب. ملف ward .
6. كامل, ماجد نبيه. معجم الألفاظ العسرة للكتاب المقدس. برمجة عن كتاب تفسير كلمات الكتاب المقدس سعيد مرقس ابراهيم.
7. موسوعة نور و حق. (4 أجزاء 4 CDs) تهتم بالأساس بموضوعات جدلية لغير المسيحيين, وتحتوى موضوعات تعليمية مسيحية.
مواقع على الشَبَكَة الدُّوَلِيَّة :-
-http://www.templeinstitute.org .............. official web site الموقع الرسمى لمعهد أمناء الهيكل
-http://www.vopg.org/bitmaped/200603/31.htm
التابوت والصليب .................. مجلة صوت الكرازة بالإنجيل (بالعربية) عدد مارس 2006 ص31
-http://www.yahweh.com/SAVIOR/search.htm المُخَلِّص واسْمُهُ ..................................
يهتم بالنص العبري الأصلى لأسفار الكتاب المقدس
"الموقع وقناةفضائية يتبعان بيت يهوة- و له رؤية خاطئة بخصوص شخص الرب يسوع"
مصادر أساسية :-
1. الكتاب المقدس فى الترجمة التفسيرية.
2. القاموس الموجز للكتاب المقدس.
3. أطلس الكتاب المقدس.
[1] - عمر فرّوخ , تجديد التاريخ فى تعليله و تدوينه " اعادة النظر فى التاريخ " . المقدمة ص 6.
2 - متى المسكين, تاريخ اسرائيل من واقع نصوص التوراة و الأسفار وكتب ما بين العهدين . الجزء الأول. ص18.
[3] - جواد على, المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام.الفصل 6 صلات العرب بالساميين- الفصل 14العرب فى الهلال الخصيب- والفصل 16العرب و العبرانيون.
[4]- متى المسكين, تاريخ اسرائيل من واقع نصوص التوراة و الأسفار وكتب ما بين العهدين . الجزء الأول. ص 19.
[6]- دائرة المعارف الكتابية . اسم جاسان.
[7]- أغناطيوس الأنبا بيشوى, قطمارس . الإصدار الثالث . النص العبرى لسفر التكوين .
[8]- مازالت منطقة سيناء والقناة اللتان تؤديان الى أرض جاسان بمحافظة الشرقية بسبب موقعها الجغرافى تشكل عبئاً أمنياً صعباً للحكومة المصرية بخلاف العبء الإستراتيجى العسكرى الذى هدأ جداً بعد اتفاقية السلام, ورغم حالة الإسترخاء العسكرى للحدود الشرقية والهدوء الأمنى داخل البلاد إلاَّ أننا نجد حديثاً تفجيرات"شرم الشيخ" ثم"دهب"و"مجرى السيل" بجنوب شرق سيناء ثم عمل إنتحارى شمالها وإشاعات عن مثلها فى "بلبيس", وقد لا يكون لها هذه المرة مرجعية سلفية إسلامية بل مجرد جرائم غير سياسية تساعدها طبيعة المنطقة التى تشكل إحدى الصعوبات الأمنية للشرطة المصرية, فلا تخلو هذه المنطقة من عوامل القلق للحكومات المصرية, لسببٍ أو لآخر, سواء قديماً أوحديثاً.
2- ألفريد ج.بتلر,فتح العرب لمصر.تعريب محمد فريد أبو حديد.الفصل 15أول الحرب. ص190.
3- دائرة المعارف الكتابية . اسم جاسان.
4- ميلاد جرجس, موسوعة الجيب التفسيرية . الجزء الأول . ص 92 .
1- مراحل الولادة الطبيعية ثلاثة؛ فىالأولى يتسع عنق الرحم ويصحب ذلك ألم شديد نتيجة إنقباض الرحم فى موجات من التقلص تؤدى إلى ضغط الطفل على عنق الرحم ليَتَّسِع, ويتهيأ الطفل للولادة بتغيير وضعه لإمكانية مروره من عنق الرحم مما يحدث ألماً شديداً أيضاً, وفى الثانية تتم عملية خروج الطفل بتفاصيلها المؤلمة, وفى الثالثة تتم ولادة المشيمة, ثم عودة الرحم إلى الإنقباض وانكماش حجمه.
[13] - موريس جدعون , حنا حلو, غسان خلف. المعين معجم الألفاظ العسرة . باب حرف س .
والسفط هنا مصنوع من البردى و مطلى بالحمر والزفت(مادة القار المعروفة) لجعلها عازلة للماء. وكانت المراكب النيلية تصنع بهذه الطريقة فى العصر الفرعونى و بحرفية أكثر و خامات أقوى وتختلف فى الشكل حسب استخدامها. ومراكب الشمس المعروفة والتى إكتشفها الأستاذ/ كمال المَلاَّخ فى بداية النصف الثانى من القرن الماضى, والموجودة حالياً بمنطقة الأهرام بالجيزة؛ تظهر منها طريقة إعداد المركبات النيلية عند الفراعنة.
[14] - سمعت لفظة الإسم(أحمس) منطوقة (أحموسا) أو (أحموزا) على لسان كل من: دكتور/ زاهى حواس, ودكتور/ عبد الحليم نور الدين عالِمَىّ المصريات والآثار, أكثر من مرة فى عدة برامج تليفزيونية , و هى بذلك تشبه فى مقطعها الثانى الإسم (موسى) أو(موزا) أو(موزيس فى بعض اللغات الأوربية) وهذا المقطع يعنى(إبن) فى اللغة المصرية القديمة. وأحمس فى التاريخ الفرعونى هو البطل المصرى الذى قاوم وطرد الهكسوس من مصر ومعنى اسمه: ابن الإله (أح), وهو إله القمر فى مصر القديمة.
[15]- الأمر الفريد أنه لا يطلق هذا الاسم على شخص آخر في الكتاب المقدس, فلا يوجد غير موسى واحد فى كل أسفار الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.
[16]- ه .ج.ويلز , معالم تاريخ الإنسانية . ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد. الكتاب الرابع . الفصل 18.
[17] - ه .ج.ويلز, معالم تاريخ الإنسانية . ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد. الكتاب الرابع . الفصل 18. ص 285.
[18] - نفس المصدر. فصل18. ص286.
[19] - وضع ويلز كتابه فى أول الستينيات من القرن الماضى .
[20]- متى المسكين, النبوة و الأنبياء فى العهد القديم . ص42.
و منيس عبد النور, موسى كليم الله . الفصل الأول موسى قبل أن يدعوه الله.
[21]- رياض جابر, أسس التربية المسيحية . فتشوا الكتب. سبتمبر 1988 .
[22]- جفرى بارندر, المعتقدات الدينية لدى الشعوب. ترجمة امام عبد الفتاح امام. مراجعة عبد الغفار مكاوى. الفصل الثانى مصر القديمة فقرة 8 ص 51 عبادة الحيوان.
[23]- ذكر القس جون هاجِّى Pastor JOHN HAGEE فى شرحه لنبؤات حزقيال الواردة فى الأصحاحين 38 و 39 عن صراع الأيام الأخيرة ووصف مستفيض لتجمع الجيوش على أورشليم, وأجناس الشعوب التى ستتواعد للحرب على المدينة المقدسة ؛ أن موسى عندما ذهب الى أرض مديان فإنه كان بين الحبشيين, وأن حماه رعوئيل كاهن مديان كان حبشي الأصل!. جاء ذلك فى حلقة من سلسلة عظات بعنوان: " The God of Covenant " : إله العهد, والتى أذاعتها فضائية Church Channel الناطقة بالإنجليزية, ضمن شبكة الثالوثT.B.N. , فى 30/3/2006 مُسَجَّلة من كنيسة Cornerstone Church, San antonio, Texas. .
[24]- متى المسكين, تاريخ اسرائيل. الجزء الأول.2 الخروج.
-[25] رعوئيل أو يثرو أو يثرون أو النبى شُعَيْب عند المسلمين, يرد ذكره فى القرآن فى كل من: الأعراف 85, 88, 90, 92. وهود 84, 87, 91, 94. والشعراء 177. والعنكبوت 36.
-[26] دائرة المعارف الكتابية لدار الثقافة. تحت اسم يثرون.
[27]- جواد على, المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام.الفصل 6 صلات العرب بالساميين- الفصل 14العرب فى الهلال الخصيب- والفصل 16العرب و العبرانيون. والفصل 165الشعراء اليهود.
2 - متى المسكين, تاريخ اسرائيل. الجزء الأول.2 الخروج.
[29]- جواد على, المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام. فصل76 اليهودية بين العرب.
[30]- حبيب سعيد, أديان العالم . باب "اليهودية" ص 174.
[31] - متى بهنام, مفاتيح كنوز الأسفار الإلهية. المجلد الأول. ص 44.
و متى المسكين, تاريخ اسرائيل من واقع نصوص التوراة و الأسفار وكتب ما بين العهدين . الجزء الأول. ص 23.
[32]- لقد إحتاج مجرد تَخَيُّل هذه المعجزة فى أحد أفلام هوليوود ( فيلم Moses ) قدراً ضخماً من إمكانيات السينما وتقنيات الخِدَع السينمائية المتقدمة, لتصوير حركة المياه فى البحر ثم ظهور شق فى المياه بتأثير رياح عنيفة تركزت عليها لإزاحتها على الجانبين لتكشف ممراً على قاع البحر, بدأ يجف بسرعة فائقة بفعل الرياح حتى أصبح يابساً صالحاً للمرور عليه بأحمال وأوزان, بينما كونت المياه سوراً عالياً على جانبى الممر, مما أثار إعجاب المتخصصين فى أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية بالولايات المتحدة, ومنحت هذا العمل جائزتها المعروفة بالأوسكار.
[33]- حبيب سعيد, أديان العالم . باب "اليهودية" ص 174.
[34]- متى المسكين, تاريخ اسرائيل من واقع نصوص التوراة و الأسفار وكتب ما بين العهدين. ص32 الى34.
[35]-عزمى بشارة, من يهودية الدولة حتى شارون- دراسة فى تناقض الديموقراطية الإسرائيلية. عرض محمد صلاح غازى. مجلة العربى الشهرية الكويتية. عدد فبراير 2006. ص 184إلى 187.
[36]- عمر فَرّوخ , تجديد التاريخ فى تعليله و تدوينه " اعادة النظر فى التاريخ ". ص 25.
1 - يوسف كرم, تاريخ الفلسفة اليونانية . الباب السادس الفصل الثانى. ص247الى252.
[38] - فؤاد محمد شبل, حكمة الصين دراسة تحليلية لمعالم الفكر الصينى منذ أقدم العصور. الجزء الأول. الباب الخامس مدرسة المُشَرِّعين الفكرية. الفصل 17 ص 273: 277.
1- جفرى بارندر, المعتقدات الدينية لدى الشعوب. ترجمة امام عبد الفتاح امام.مراجعة عبد الغفار مكاوى. الفصل الثانى مصر القديمة. فقرة 8 عبادة الحيوان. صفحة 51 .
[40]- صاحبت أغلب العبادات الوثنية القديمة طقوساً جنسية وربما كان اللعب هنا من هذا القبيل.
[41]- تشارلز ماكنتوش, مذكرات على سفر التثنية . شرح الكتاب. حاشية ص413 .
[42]- أديب يسى, دراسات فى رسالة العبرانيين . ص 238و239.
[43] - عصام خليل, طعام وتعزية 2006 . قراءة 9/3 .
[44]- روبير بندكتى, التراث الإنسانى فى التراث الكتابى . ص12 التوراة بين النص والتراث.
|